اتفاق يهم أكثر من ثمانمائة ألف أجير وقد يكون معدل الزيادة في حدود %5 ويمتد على السنوات الثلاث القادمة بما يقلص جزئيا التراجع الهام للقدرة الشرائية دون أن يعيق ذلك مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي.
لكن هل يعني ذلك أن المناخ الاجتماعي العام سيتحسن بوضوح جراء هذا ؟
لا يبدو أن الأمر سيكون على هذا المنوال وذلك لأسباب جوهرية لا علاقة لها بالاتفاق مع اتحاد الشغل.
• الانخرام الحاد في المالية العمومية والحاجة إلى اقتراض إضافي هام لهذه السنة لن يجد حلا مريحا حتى في صورة إبرام اتفاق مع صندوق النقد، لان استدامة الدين العمومي في وضعية تونس يحتاج حتما إلى سياسة تقشفية قوية سوف تلغي المفعول الإيجابي لهذه الزيادة المحتشمة لأجراء الوظيفة العمومية والمنشات العمومية.
• تجد اليوم جل منظومات الإنتاج الغذائي (اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والألبان والحبوب ...) نفسها على حافة الانفجار وإنقاذها يستوجب احد أمرين : إما زيادات هامة في أسعار البيع للعموم تسمح للمنتجين والمصنعين والمجمعين أو الموزعين بضمان استدامة هذه المنظومات أو تحمل الدولة لأعباء إضافية في صندوق الدعم بزيادة مجزية لمختلف المتدخلين مع إبقاء أسعار البيع للعموم على حالها ..والواضح أن الحل الثاني مستحيل ونحن بصدد التفاوض مع صندوق النقد أما الحل الأول فإن كلفته الاجتماعية -وربما- الأمنية ستكون باهضة أيضا.
• تعوّد التونسيون منذ السبعينات على توفر دائم للسلع الغذائية خاصة وعندما تحصل بعض الاضطرابات في بضائع محددة جدا ولمدة زمنية وجيزة ،ولكن تونس تعيش منذ حوالي نصف سنة على وقع نقص كبير في مواد أساسية هذا إذا لم تغب أصلا عن الأسواق .. ورغم محاولة السلطة السياسية إقناعنا بان السلع موجودة بالقدر الكافي وان الاحتكار هو المتسبب الوحيد في هذا الوضع إلا أن الحقيقة غير هذا مع عدم إنكارنا لمحاولة المحتكرين لاستغلال هذه الوضعية كلما أمكن لهم ذلك ..الحقيقة بسيطة: منظومات الإنتاج طرا عليها اضطراب كبير للأسباب التي أسلفنا إضافة إلى عجز الدولة عن توفير السلع التي تحتكرها نتيجة عدم توفر السيولات الكافية لها ولمخلفات التراجع المستمر لترقيمنا السياسي وبالتالي خضوع توريد الدولة عبر منشاتها العمومية إلى ضغوط كبيرة والى شروط الدفع المسبق .
• نمو الاقتصاد سيبقى هشا إذ سيكون في حدود %2،7 – في أحسن الأحوال – هذه السنة وسيتواصل على هذا النسق في السنوات القليلة القادمة بما يفيد عدم القدرة على معالجة مشكلة البطالة الهيكلية مع تعبئة غير كافية للموارد الذاتية للدولة ..
كل هذه الصعوبات، وغيرها لا تُساءل عنها الحكومة الحالية فقط أو سابقاتها بل هي صعوبات هيكلية زادتها الظرفية العالمية من كوفيد وحرب روسيا على أوكرانيا تعقدا واستعصاء ولكن اللوم كل اللوم على السلطة الحالية يكمن في طريقة معالجتها لهذا الظرف الدقيق وفي عدم رغبتها في تجنيد كل قوى المجتمع لإنقاذ البلاد واعتمادها على خطاب هلامي تقسيمي يخيف كل الفاعلين الاقتصاديين المحليين والأجانب ولا يخلق مناخ الثقة الضروري لرفع كل هذه التحديات ..
المشكلة لا تكمن في سوء أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية بل في سوء حوكمتها بغياب الرؤية الشاملة أولا وبعدم الإيمان بجدوى المشروع الوطني الشامل وفي عدم انتهاج التشاركية إلا عند استفحال الأزمة وبصفة جد جزئية وغياب الشفافية والمصارحة وهما شرطان أساسيان إذا أردنا فعلا إصلاح البلاد وانخراط جل المواطنين والمواطنات في هذا العمل الجماعي .
متى ستستفيق السلطة من غيبوبتها ؟ ذلك هو السؤال.