انفجرت أزمة ديبلوماسية لم تكن في الحسبان بين تونس والمغرب نتيجة استقبال رئيس الدولة قيس سعيد لزعيم البوليساريو ولرئيس ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية..
ينبغي أن نقول انه من حق كل بلد ومن حق كل فرد ،مغربي أو تونسي، نقد سياسة ما أو موقف ما لكننا لا نعتقد انه من مصلحة أحد أن ينزل هذا النقد إلى المستوى الذي نشاهده اليوم في بعض وسائل الإعلام المغربية خاصة وفي شبكات التواصل في البلدين في تهجم مشين على القيادتين جعل كل العقلاء في حيرة من أمرهم لهول ما يُكتب وما يقال ..
سوف نعود إلى الخلاف الديبلوماسي التونسي المغربي لنرى هل أننا أمام خطإ بروتوكولي أم لا وهل أن هنالك فعلا نية لتغيير موقعنا الديبلوماسي التاريخي أم لا؟
ولكن بما أن أزمة الصحراء الغربية قد استدعت نفسها -وبهذه القوة في بلادنا- لابد أن نقف عندها قليلا لأنها هي الأصل وما حصل هذه الأيام الأخيرة قد لا يكون إلا سحابة صيف عابرة..
نحن أمام أزمة قسمت منطقنا منذ حوالي النصف قرن وجعلت الدولتين المغاربتين الكبيرتين في حرب باردة لا تكاد تهدأ بالمرّة .
لسنا هنا في موقع من يمكنه الحكم عن المخطئ وعن المصيب ولكننا كتونسيين أولا وكمغاربيين. ثانيا لا يمكننا إلا أن نأسف على الدمار الذي خلّفته هذه الأزمة وعلى تسببها في التعطيل الكلي لحلم راود أجيالا وأجيالا، وهو بناء مغرب عربي مندمج اقتصاديا ومتضامن سياسيا،مغرب عربي له وزن في المعادلات الدولية ويسمح بنمو هام وبتنمية أسرع لكل الدول ولكل الجهات ..
لقد أفسدت علينا أزمة الصحراء الغربية بناء هذا الحلم المشترك،ولعلها كانت تعلّة لبعضهم لإجهاض هذا الحلم ..هذا هو أساس المشكلة وليس ما حصل في مؤتمر التيكاد 8 على أهميته.
من المسؤول عن هذه الخسارة الكبرى ؟
نقولها وبكل حب لجارينا الكبيرين :
انهما قيادتا البلدين وإن كان ذلك بنسب متفاوتة لأنهما فضلتا في الأغلب الأعم - التصادم على الحوار ونعتقد هنا – حسب اجتهادنا المتواضع – أن مسؤولية الجزائر أكبر ولكن البلدين يتحملان وضع المنطقة في حالة استقطاب جيو-استراتيجي حاد لم يعد بالنفع على الشعبين إذ يكفي أن نتصور سياسة تعاون وشراكة وحدود مفتوحة بين كل بلدان المنطقة لنرى حجم الخسارة التي ندفع ثمنها جميعا وذلك أيا كان موقعنا وأيا كان موقفنا من هذه الأزمة.
لقد عمدت تونس منذ البداية إلى لعب دور الوسيط الإيجابي والى التقريب بين وجهتي النظر المتعاديتين ..كان ذلك منذ عهد الزعيم بورقيبة وقد واصل بن علي على نفس المنوال.
لقد خلنا جميعا أن أزمة الصحراء الغربية قد وجدت حلها المرضي مع تأسيس اتحاد المغرب العربي يوم 17 فيفري 1989بمراكش وبحضور القادة الخمسة ولكن حتى هذا الحلم تكسّر على صخرة الصراع الجزائري المغربي.
ونتيجة كل هذا أصبحنا نشاهد صراعا إقليميا حادا يهدف إلى كسب المؤيدين إفريقيا ودوليا دون أن نتمكن من توجيه إمكانيات هذه المنطقة التي يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة إلى النمو والرفاه المشترك .
نعود إلى تونس لنطرح السؤال التالي : أين تكمن مصالحنا الإستراتيجية وماهو موقعنا الطبيعي في أزمة كهذه انعكاساتها سلبية للغاية على إمكانيات نمونا ؟
لقد اختارت دولة الاستقلال في تونس إستراتيجية «صفر أعداء» وذلك في منطقة لم تغب عنها مطلقا النوازع الهيمنية والعدائية على امتداد كامل هذه العقود الماضية ولهذا لم تعترف تونس بما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية دون أن تدخل مطلقا في عداء مع الجزائر، بل حرصت دوما على تعاون ثنائي وثيق مبني أيضا على «صفر مشاكل» رغم صعوبة هذه السياسة أحيانا ..
لدينا اليوم من يعتقد انه لا حاجة لنا بالمغرب الأقصى ولا بأوروبا ،وانه علينا ان ننخرط في محور مخالف تماما قوامه الجزائر غربا والصين وروسيا -واليوم- اليابان رغم أن هذه الدول الكبرى لا تنتمي اليوم إلى نفس المحور الجيو-استراتيجي..
هؤلاء ،للأسف لا يعرفون بلادهم ولا كيف يسير اقتصادها ولا أسواقها الطبيعية وإمكانياتها المستقبلية .
نذكر فقط ببعض الأرقام التي وردت في بيانات المعهد الوطني للإحصاء مؤخرا حول التجارة الخارجية لتونس خلال الأشهر السبعة الأولى من هذه السنة.
• مع الجزائر:
- الاستيراد 1978 مليون دينار
- التصدير 421 مليون دينار
• مع المغرب:
- الاستيراد 196 مليون دينار
- التصدير 550 مليون دينار
• مع اليابان:
- الاستيراد 3118 مليون دينار
- التصدير 9 مليون دينار
• مع روسيا:
- الاستيراد 1376 مليون دينار
- التصدير 23 مليون دينار
• مع الصين:
الاستيراد 5006 مليون دينار
التصدير 69 مليون دينار
• جملة الاستيراد التونسي: 45760 مليون دينار
• جملة التصدير: 32.545 مليون دينار
هذا هو الواقع الاقتصادي اليوم لبلادنا وهذه الأرقام دالة على ما نحن عليه مع تنسيب مهم بالنسبة للمحروقات (الجزائر خاصة) والمواد الأساسية (روسيا) والمواد نصف المصنعة والتجهيزات الصناعية (الصين).
نقول نهاية أننا ننتقد سياسة السلطة في بلادنا في ما يتعلق باختياراتها الداخلية ولكننا لا نرغب في إضعاف موقفها خارجيا لأن في ذلك استضعاف للبلاد لا نريده ولا نتمناه .
نعتقد أن الاستقبال الرئاسي لم يكن في محله وان بيان وزارة الخارجية قد جانب الصواب عندما ذكر في أكثر من مناسبة «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» وفي ذلك اعتراف ضمني بكيان لم تعترف به الدولة التونسية بعد..
ونعتقد أن التعاون الثنائي المتين بين تونس والجزائر ضروري للبلدين دون أن يعني ذلك انخراطا في حلف جزائري ضد المغرب او العكس.
ولكننا لا نوافق بالمرة المس بكرامة الدولة التونسية وقيادتها لأن في ذلك إهانة لنا جميعا أيا كان موقفنا من سياسات دولتنا ..
كما نعتقد أن سياسة «صفر أعداء» و»صفر مشاكل» هي الأفضل لنا وهي التي تسمح لنا بلعب ادوار ديبلوماسية غابت عنا منذ الثورة إلى حدّ الآن.
أما إيماننا الأكبر فهو أن المغرب الكبير أفقنا التاريخي الوحيد وان دور بلادنا -على محدودية حجمنا – هو أن نعمل جاهدين لبنائه وتجاوز كل معيقاته ولإقناع إخوتنا في الجزائر والمغرب أن الحل الأنجع والوحيد للخلاف بينهما يكون في بناء مغرب الشعوب والدول .. فقط لا غير.
على هامش الخلاف الديبلوماسي التونسي المغربي: نقاش هادئ لقضية ساخنة
- بقلم زياد كريشان
- 12:43 30/08/2022
- 1499 عدد المشاهدات
بينما كانت كل الأنظار متجهة إلى ملتقى «تيكاد 8» وما يمكن أن يوفره من فرص تعاون اقتصادية بين اليابان وتونس خاصة والدول الإفريقية عامة،