بالانفتاح الحكومة وشركاء الا جتماعيين على الحوار مع التذكير بالاصلاحات الضرورية الواجب اعتمادها من تحكم في كتلة الأجور ورفع تدريجي للدعم ومعالجة خسائر المؤسسات العمومية، ثم أشار البيان إلى استمرار النقاشات مع تونس خلال الأسابيع القادمة مع التشديد على أن إبرام اتفاق ممدد جديد مع تونس يبقى رهين موافقة المجلس التنفيذي للصندوق..
ماذا يمكن أن نستنتج من كل هذا؟؟
ان تبشير الحكومة بعقد الاتفاق مع الصندوق بمناسبة هذه الزيارة مجانب للصواب وان المؤسسة المالية الدولية مازالت غير متحمسة للتسريع في إبرام هذا العقد والذي توهمت الحكومة أن سيحصل خلال الثلاثي الأول من هذه السنة..
فكل المؤشرات تفيد بأن هذا الاتفاق لن يحصل قبل نهاية هذه السنة في أحسن الأحوال وأن سبب انتظار الصندوق هو عدم أقدام الحكومة على بداية تنفيذ برنامجها خاصة في الرفع التدريجي للدعم وفي معالجة الوضعيات المختلفة للمؤسسات العمومية وذلك لان الحكومة بعد الترفيع في أسعار المحروقات والكهرباء والغاز خلال الاشهر الأولى لهذه السنة أمسكت عن المواصلة منذ شهر أفريل لاعتبارات سياسوية واضحة وهي «إنجاح» الاستفتاء وعدم تاجيج الغضب الاجتماعي..
ويبدو أن المفارقة بين اعلانات الحكومة وممارساتها هو الذي جعل الصندوق مترددا وغير مقتنع بالالتزام الفعلي والعملي بالاصلاح والفصل الضروري بين الاعتبارات السياسوية (الاستفتاء اليوم والانتخابات التشريعية غدا) وبين ضرورة الشروع في الإصلاح دون انتظار الاتفاق مع صندوق النقد..
هذا التأخر الذي أكده البيان الإعلامي الاخير لصندوق النقد سيُعسّر كثيرا من مهمة الحكومة لحشد الأموال الضرورية لانجاز ميزانية 2022.
تونس بحاجة إلى 12،6 مليار دينار من العملة الأجنبية يضاف إليها حوالي 5مليار دينار جراء ارتفاع أسعار المحروقات والحبوب..
نحن بحاجة اذن الى حوالي 17،6 مليار دينار من العملة الأجنبية ولم نتمكن من الحصول الا على النزر القليل من هذا المبلغ على امتداد اكثر من نصف سنة ولا يتوقع ان نتمكن من التعويض الجيد في ما تبقى من هذه السنة خاصة وأن الاتفاق مع الصندوق قد لن يحصل قبل الأسابيع الأخيرة لهذه السنة..
في الاثناء تتصاعد الصعوبات أمام الاقتصاد الحقيقي إذ بلغ العجز التجاري للنصف الأول من هذه السنة حوالي 11،8 مليار دينار بما يعني اننا قد نصل في نهاية هذه السنة إلى رقم قياسي جديد لعله سيلامس 25 مليار دينار مقابل 16،2 في السنة الفارطة و4، 19 في 2019 اي في السنة التي سبقت أزمة «الكوفيد».
الموسم السياحي ليس سيئا ولكنه لا يستطيع بالمرة ان يغطي كل هذا الفارق في العجز وهذا يعني أن مخزوننا من العملة الصعبة سيتآكل ضرورة خاصة أمام عدم حشد الأموال الضرورية من العملات الأجنبية..
وهذا الضغط المتزايد على مخزوننا من العملة الأجنبية (23،8 مليار دينار حاليا) سوف يزيد من الضغوطات التضخمية 8،1 ٪ في جوان الماضي) والتي قد تتجاوز عتبة 10 ٪ وهي أعلى نسبة منذ حوالي ثلاثة عقود..
والإشكال لا يكمن فقط في التضخم وفي الضغوطات على مخزوننا من العملة الصعبة بل أيضا في الضعف الهيكلي للنمو والذي قد يكون هذه السنة دون 2٪ بما يعني موارد جبائية أقل للدولة وعجزا أكبر في الميزانية..
السؤال الجدي الوحيد: هل تملك السلطة الحاكمة - اليوم - القدرة على الإصلاح والقدرة على إيقاف نسبي للنزيف؟
الواضح أن الحكومة لا تملك أمرها وقرارها وهي في تناقض واضح - من حيث الرؤية والتشخيص - مع رئيس الجمهورية وهذا يزيد في تذبذب السلطة وعدم قدرتها على إنفاذ سياسات عمومية منسجمة ومتناسقة هذا دون الحديث عن غياب توافق اجتماعي اساسي لكل سياسة اصلاحية مهما كان اتجاهها..
كل الشركاء ينظرون إلينا وينتظرون منا سياسة واضحة ومستقرة لكننا اخترنا طريق الفوضى غير الخلاقة.. وتلك هي المشكلة الكبرى.
بين الصعوبات الهيكلية وتردد صندوق النقد: الاقتصاد التونسي وساعة الحقيقة
- بقلم زياد كريشان
- 10:37 21/07/2022
- 1360 عدد المشاهدات
أنهت بعثة صندوق النقد الدولي مهمتها في تونس والتي استمرت من 4 إلى 18 جويلية الجاري وأصدرت بعدها بيانا صحفيا طغت عليه النبرة التفاؤلية والإشادة