بالجهود المبذولة من أجل إجلاء مئات من الطلبة والأسر، ولم يتخلّف وزير الخارجية بدوره،عن شكر السفراء/ات والمسؤولين منزّلا عملهم في إطار التدرّب على إدارة الأزمات معتبرا أنّ هذا الأمر يُعدّ 'تمرينا جيّدا ''. ولكنّ ما يعنينا هو العقلية السائدة والتي يطلق عليها الشبّان نعتا بليغا: ''القديمة' لأنّها عقليّة لازالت مسيّجة بمجموعة من الثنائيات لعلّ أهمّها المركز/الهامش.
إنّ المحتفى بإنجازاتهم منذ وصول رحلات الإجلاء، هم الذين يحتلّون موقعا في المركز، ويرتبطون بشكل أو بآخر، بدوائر السلطة. وفي المقابل تتجاهل الرواية الرسمية ما فعله الشبّان/ات من أجل إنقاذ التونسيين لا لشيء إلاّ لأنّ هذه الفئة تنتمي في نظرها، إلى الهامش. ولا ضير في إسدال الحجاب على أفعال الشبّان/ات فما يعني السلطة هو نجاح الأعوان في حفظ سلامة 'الجالية'، أي مرئية 'الديبلوماسية التونسية' فهذه العناصر مطلوبة وتسخدم لإضفاء مزيد من الإشعاع على سياسات الدولة. وانطلاقا من هذا التصوّر الموصول إلى حقب تاريخية وسياسات ما عادت تتلاءم مع السياق الجديد، ورؤية ما عاد يفهمها الجيل الجديد يستمرّ شعور الشبّان بالتهميش .
لقد عبّر آلاف الشبّان التونسيين طيلة هذه العشرية، عن سخطهم وغضبهم واستيائهم من نخب سياسية ومسؤولين استمرّوا في ممارسة 'الحقرة' أو التهميش أو الإقصاء لأنّهم ببساطة لم يتعوّدوا على رؤية الفاعلين من منظور مختلف يتجاوز معايير السنّ والجندر والطبقة والفقر والأيديولوجيا وغيرها. كما أنّهم لم يملكوا يوما الرغبة في تغيير ذواتهم وتصوراتهم لبنية العلاقات الاجتماعية ولم يريدوا إرباك تمثلاتهم للآخرين، وليس لهم استعداد لفهم مطالب هذا الجيل، وعلى رأسها الحقّ في الاعتراف، والحقّ في المشاركة في بناء الوطن ووضع السياسات....
ما ضرّ لو نوّهت الرئاسة أو وزير الخارجية بالدور الذي نهض به عدد من الطلبة/ات من أجل رعاية غيرهم ومساعدتهم والتعاطف معهم ؟ لِم تجاهل من هم في المركز للمبادرات الفردية والجماعية التي أطلقها عدد من الشبّان من أجل إنقاذ مجموعات كبيرة؟
يكفي أن نطّلع على محتوى صفحاتهم وتدويناتهم لنتبيّن مستوى الوعي وسرعة البديهة ونتفطن إلى هذه القدرة على البحث عن الحلول وعلى ابتكار الحيل والمخارج و...إنّه جيل ثقافة الرقمنة المعولمة آمن أغلبهم بأنّ الخلاص لابدّ أن يكون جماعيا وقدّروا أنّ التضامن في المحن هو أبهى صورة عن الأنسنة، ولذا وجدنا تعاطفا مع المغاربة والمصريين والأوكرايين الفارّين ...ورأينا عزما وتصميما وشجاعة وإرادة على تجاوز الأهوال ، وقدرة على التحاور وفهم المغالطات والتضليل الإعلامي ...ولمسنا لديهم/ن مبادئ وقيم تدفعهم إلى إنقاذ 'العالقين' والتنديد بأشكال الفرز والتمييز فعلى الحدود جنود يمرّرون النساء فقط، وآخرون يمارسون العنف فيصفعون ويضربون، ...وأدركنا مدى حرصهم على التضحية بالمال والطعام والماء في سبيل إنقاد روح بشرية وانتبهنا كذلك إلى هذا الحسّ الإنساني الذي يجعل أحدهم لا يفرط في قطته فيعود بها إلى أرض الوطن فهي «العشيرة» والمؤنسة في ليل الغربة الطويل.
قصص هؤلاء الشبّان تغيّر الصور النمطية التي تروّج لها بعض البرامج التلفزية وتكشف النقاب عن خصال هذا الجيل المتمسّك بالقيم والمثل والمصمّم على التحصيل المعرفي...أمّا شهادات الشابّات ففيها دروس وعبر عن نضال آخر تقوده التونسيات خارج الوطن وفي زمن الحرب يقوّض التمثلات التي تقرن المرأة بالضعف والجبن...
لم يطالب الشبّان/ات بحقهم/نّ في الاعتراف غاية ما ألحوا عليه هو أن تواصل الدولة إجلاء العالقين/ات ولعلّهم فهموا أنّ ممارسات التهميش متجذرة في البنى الذهنية وأنّ 'الكبير ' لا يثمّن في الغالب ما ينجزه 'الصغير' وأنّ التقليل من شأن الآخر في بلد تضخمت فيه الأنوات صار شريعة ومنهاجا.
تحية إكبار «لشباب/ات تونس» في أوكرانيا
- بقلم امال قرامي
- 09:33 05/03/2022
- 1091 عدد المشاهدات
لن نتحدّث عن إدارة الديبلوماسية التونسية لأزمة ترحيل التونسيين /ات من أوكرانيا فالبيان الرئاسي كفانا هذا العناء إذ أشاد الرئيس