في مناخ يغلب عليه التوتر: زوابـع في فنجان (؟)

وضع نورالدين البحيري القيادي في النهضة و فتحي البلدي المستشار السابق بوزارة الداخلية ،رهن الإقامة الجبرية و إحالة عدد

ممن ترشحوا في انتخابات 2019 على القضاء الجناحي من أجل ارتكاب مخالفات انتخابية، و تواصل تعبير رئيس الجمهورية التونسية على عدم رضاه على أداء القضاء و مجلسه الأعلى و متابعة مخرجات خارطة طريق سعيد ، كلّها عناوين تؤثث المشهد العام و تخلق توترا يسيطر على المناخ الإجتماعي الّذي يعاني من الأزمة الإقتصادية في مختلف المجالات.
كل هذا تواجهه رئاسة الجمهورية وتستنزف وقتا وقدرات لا يستهان بها ، خاصة و قد حرص سعيد على أن يتولى بنفسه الرد على كل ما يتردّد بنفس اللّهجة الحدية الّتي تمنينا أن يتخلى عنها و يترك المجال للوزراء وأعضاده الرسميين في رئاسة الجمهورية للرد على بعض المؤاخذات وتوضيح المواقف الّتي تشكل مواطن خلاف. و لو أننا لاحظنا بداية ظهور لبعض الوزراء كما كان الحال لوزيرة المالية أو لوزير الصحة أو وزير الداخلية الّذي ردّ على كل ما قيل بخصوص وضع البحيري و البلدي رهن الإقامة الجبرية على خلفية اتهمات سيتكفل بها القضاء ،واستنادا إلى تدابير مضمنة بقانون الطوارئ الّذي لم تسع الحكومات السابقة إلى إلغائه أو تعديله درءا لما يشكله من مخاطر على الحريات .
لم يسمع أحد و لم تتحرك أي جهة بصورة حازمة وجادّة عندما نبهنا إلى خطورة إقحام القضاء في الحسابات السياسية و عندما نبهنا إلى خطورة التجاوزات القانونية مثل تلك الّتي حصلت للقضاة الّذين تم عزلهم دون إحترام الإجراءات القانونية ، و التجاوزات الّتي حصلت في العديد من المحاكمات و التتبعات الّتي تمّ حبكها لتصفية حسابات سياسية ارتكبت فيها عدّة مظالم و مُورست من خلالها الضغوطات للإبتزاز السياسي و المالي أيضا .
لذلك نبهنا إبان 25 جويلية 2021 إلى تجنب التشفي و الظلم، لكن دون التخلي عن محاسبة كل من تجاوز السلطة و أجرم في حق الأفراد أو المجموعة . ومن التشفي التعسف في إستعمال الحق و عدم احترام مقتضيات الإجراءات في تتبع أي كان في محاكمته محاكمة عادلة تُكفل له فيها حقوق الدّفاع .و هو ما نعيد التأكيد عليه حتى لا يتسرّب الشك للرأي العام بأن ما يحصل هو «تصفية حسابات « سياسية بين خصوم سياسيين يتبادلون التهم و الأدوار لضمان البقاء في السلطة أو لإستعادتها .
نفس الأمر بخصوص المخالفات الإنتخابية الّتي تمت على أساسها إحالة ما لا يقل عن 19 مترشحا سابقا على القضاء الجناحي و هي مخالفات لا تتجاوز العقوبات فيها العقوبات المالية ،و قد كان بالإمكان إجراء التتبعات فيها قبل هذا التاريخ للصبغة الفنية للأبحاث فيها ، خلافا للجرائم الخطرة المتصلة بالتمويل الأجنبي أو غير المشروع، الّتي تتطلب تقديم أدلّة قاطعة لخطورة آثارها وتحتاج لمجهود عدة أطراف منها البنك المركزي و وزارة المالية و إدارتي البريد والاتصلات و الهيئة العامة للرقابة المالية وهو مجهود بينّ تقرير محكمة المحاسبات نفسها ضعفه و وهنه إما لغياب التنسيق أو لقصور في النصوص المنطبقة . لذلك يمكن القول بأنه من الصعب فتح مثل هذا الملفات والبت فيها في ما تبقى من الدورة الحالية بصفة نهائية و باتة.
و المِؤسف أن مثل هذه التتبعات أثارت حفيظة من وجه إليهم الإتهام (ويبقى مجرد اتهام إلى أن يقول القضاء كلمته الفاصلة )، والحال أن ما حصل أمر عادي و هو ما سبق أن طالبنا به إثر إنتخابات 2014 و مباشرة بعد إنتخابات 2019 ، حتى لا تكون الترشحات بابا للإشهار و مدخلا للتجاوزات و الإثراء وكي يسلّم كل من يريد كسب ثقة الناخبين بأن تجسيد هذه الرغبة أساسه القدرة على تحمل المسؤولية بكل تجلياتها .
آخر الزوابع المثارة مؤخرا ، مسألة المجلس الأعلى للقضاء الّذي «كان مطلبا لكل الحقوقيين، شأنه شأن بعث محكمة دستورية و ظهرت المخاوف من المؤسستين منذ بداية النقاش في قوانينهما الأساسيين ، و الدليل على ذلك أن الحسم في الطعن في القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء لم يحصل أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ، التي لم يحصل فيها إفراز الأغلبية المطلقة لإتخاذ قرارها ، الأمر الّذي جعل رئيس الجمهورية الراحل محمد الباجي قايد السبسي يحسم الجدل بختمه للقانون الأساسي في 28 /4 /2016 و ذلك
بعد لقائه بكلّ من وزير العدل ورئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وثلّة من الخبراء وأساتذة القانون ومع ممثلين للقضاة.» (راجع «المغرب» 29 أفريل 2016 و15 نوفمبر 2020)
لذلك سبق أن أكدنا أن المجلس الأعلى للقضاء ليس غاية في حدّ ذاته ، بل هو وسيلة لتركيز سلطة قضائية عادلة ومنصفة ومحايدة و فاعلة في تكريس سيادة القانون والمؤسسات.
كل هذه الزوابع (والبقية تأتي ) يجب ألا تنسي رئاسة الجمهورية و حكومة بودن أن تونس مقدمة على ثلاثية صعبة و أن وضع المالية العمومية و أوضاع الإستثمار و خلق الثروة ، مسائل لا تعالج بغوغائية السياسة ولا بالتمني أو حسن النوايا ، و أن الخطوات الثابتة تتمّ بالتشاور الجاد و تجنيب المجتمع المهاترات التي تلهيه عن البناء المتين لدولة القانون و المؤسسات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115