وقصدها واضح ومحاولة شرحه ستكون كمن يحاول ان يفسّر الماء بعد الجهد بالماء.
فما يقوله الطبوبي من ان حلحلة الوضع السياسي في تونس تحتاج الى ان يثوب الجميع الى رشدهم هو اقرار بان الوضع بات في حاجة الى «عقلنة» العملية السياسية والبحث عن مخارج فعلية لها بعيدا عن التجاذب او التناحر الذي يراه الطبوبي في اللجوء الى « استعراض القوة في الشارع منذ اكثر من 11 سنة» وهو ما يصفه بانه « ليس بالحل المناسب بالنسبة لتونس».
أي ان الاتحاد العام التونسي للشغل يرى ان الاستمرار في الذهاب الى الشارع واللعب على «ثقل» الدعم الشعبي لهذا الطرف او ذاك، لن يغير من واقع البلاد وازماتها شيئا طالما ان الملفات تدار دون «عقلانية» وهذا ما تقوله كلمات الطبوبي «لقد ان الاوان لإعلاء صوت الحكمة والعقل».
عقلانية يفصلها الاتحاد كالتالي : اولا وضع حد لاستعمال الشارع في صراعات سياسية، ثانيا ادارك انه لا يمكن «العودة الى ما قبل 25 جويلية» وثالثا وضع حد للانفراد بالرأي والقرار في ما يتعلق بمصير البلاد.
ثلاثة أمور يرى الاتحاد وفق امينه العام ضروريين لا للخروج من الازمة بل لتوفير ارضية لايجاد مخارج منها. وما يساعد على ايجاد الحل هو «التفاف الجميع، من رئيس الجمهورية الى المعارضة الى كل الفاعلين، حول إيجاد حلول عملية للازمة السياسية الخانقة التي تعيشها تونس وايجاد مخرجات تونسية تونسية دون املاءات خارجية» وفق قوله.
هنا وفي الموقف الاخير للاتحاد يتضح بشكل جلي ان المنظمة تقدم مبادرتها السياسية ضمنيا دون الافصاح عنها بها الى حين توفر الشروط الموضوعية لذلك، وهي انخراط رئاسة الجمهورية في مسار ايجاد الحل. هذا ما تكشفه الكلمات ومنها ان الاتحاد يرى انه من الضروري الاتفاق حول الاصلاحات الكبرى التي تؤدي الى ضمان العيش الكريم للتونسيين.
للوصول إلى هذا الاتفاق لابد من ان ينخرط الجميع فيه إذ «لا يمكن لرئيس الدولة وحده ولا للمعارضين وحدهم ان يحققوه».
هذه الكلمات وغيرها من كلمات الطبوبي شرحها بالقول ان المراد منها دعوة الرئيس الى الحوار والانفتاح هو اختزال يفقدها اهم ما فيها، وان لم يقل ذلك بشكل صريح. فالاتحاد الذي عاد للاصداح بموقفه الداعم لخيار القطع مع منظومة ما قبل 25 جويلية مع الاقرار برفض تمشي الرئيس احادي الجانب، بات اليوم اهم لاعب في المشهد حتى امام الرئيس سعيد.
هذه القوة تتجلى في كلمات الامين العام الذي عاد ليشدد على ان الحل التونسي - تونسي هو الوحيد القادر على انقاذ البلاد ودونه لن يتحقق شيء. ومرامه هنا لفت نظر الرئاسة ان الانفراد بالرأي انتهى واتخاذ القرار دون تشاور مع الاجسام الوسطية وخاصة الاتحاد بات غير ممكن.
والسبب ان الاتحاد اليوم بصفته ممثلا للشغالين له القدرة على ان يقف امام أي خيارات تمس منخرطيه وتكون مسقطة لم يشارك في صياغتها، بعبارة ادق فانه لن يقبل بتنزيل الاصلاحات الكبرى عبر مراسيم لا تقع مناقشة مضمونها ولا الاتفاق على تفاصيلها وتفاصيل خطة الاصلاح قبل الذهاب الى صندوق النقد.
اسبقية باتت بيد الاتحاد تمكنه من اسقاط أي سياسة تصدر عن الرئاسة بشكل احادي، ذلك ما بحث عن ابلاغه في كلمات الامين العام. وهي ان الوضع اليوم في البلاد كان نتيجة فشل العشرية السابقة بكل حكوماتها وتحالفاتها بلغ حافة الكارثة والخروج منه مرتبط بشكل وثيق بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي والاصلاحات الهيكلية. وتحقيق هذا لن يتم دون رضا الاتحاد. وعليه ولضمان هذا الرضا والدعم لابد من ان يغير الرئيس من تمشيه وان ينهى حالة القطيعة والجفاء بيه وبين جزء هام من الطبقة السياسية والنقابية.
كلمات الامين العام «حلحلة الوضع السياسي في تونس تحتاج الى ان يثوب الجميع الى رشدهم» هي بالاساس موجهة الى رئيس الدولة الذي بات مطالبا بأن يدرك حقيقة الازمة التي تمر بها البلاد وان يعمل مع الجميع على الخروج منها والا فان المركب ستغرق ولن يسلم منها أحد.
كلمات هي بمثابة الطلقة التحذيرية الداعية الى حوار فعلي بات الاتحاد قادرا على الدفع اليه نتيجة الافضلية التي باتت بيده وهي اشتراط القوى الدولية من مؤسسات ودول قبوله بخطة الاصلاحات ومشاركته فيها قبل تقديم الدعم لتونس لتجاوز ازمتها المالية.
افضلية تمكن الاتحاد من ورقة ضغط قوية تدفع الرئاسة لوضع حد للخيارات الشعبوية التي تنتهجها واهمها رفض الحوار مع الاجسام الوسيطة ورفع منسوب الاحتقان في الشارع عبر خطاب يقسم التونسيين الى اصناف عديدة.
رسالة الاتحاد علمت ولكن رد الرئاسة هو ما سننتظره في الايام القادمة عبر لقاء ثنائي يجمع الرئيس بضيف ما يلقي على مسامعه «مواقفه» وقراراته التي نرجو ان تستجيب إلى حقيقة الوضع في تونس.
شروط المؤسسات الدولية لدعم تونس في أزمتها المالية: هل يستثمر الاتحاد أفضليته لدفع الرئاسة إلى الحوار ؟
- بقلم حسان العيادي
- 09:38 27/11/2021
- 824 عدد المشاهدات
«ان حلحلة الوضع السياسي في تونس تحتاج الى ان يثوب الجميع الى رشدهم»، هذه الكلمات صدرت عن الامين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي