يوما بعد آخر إلى انفراد متزايد لا فقط على مستوى القرار بواسطة الأوامر الرئاسية المحصنة من كل طعن بل حتى على مستوى التفكير والتخطيط لحاضر البلاد ومستقبلها ..
لا احد يُشرّك اليوم في صناعة القرار التونسي وفي تحديد أولويات هذه المرحلة الاستثنائية ، لا أحزاب سياسية – مهما كان ولاؤها لرئيس الدولة – ولا منظمات اجتماعية ولا خبراء أو مختصين ولا حتى مختلف هياكل الدولة بما في ذلك الحكومة ذاتها إذ تقتصر مهمتها في الأقصى على المقترحات التقنية الجزئية ثم تطبيق تعليمات رئيس الدولة فقط لا غير ..
لا يجادل أحد في حاجة بلادنا إلى سلطة تنفيذية موحدة وقوية قادرة على الإنجاز وعلى المتابعة والمراقبة ولكن هذه الحاجة الضرورية لا ينبغي أن تتحول إلى انفراد بالرأي يحول التونسيين من مواطنين إلى رعايا عليهم فقط واجب الصمت والطاعة .
تفعيل الفصل 80 من الدستور لا يعني التشريع لحكم الفرد ولا يعني خاصة أن نجعل من هذه الفترة الاستثنائية التي وضعت – نظريا على الأقل – لمجابهة خطر داهم مرحلة تأسيسية نغيّر فيها بصفة جذرية أجزاء هامة من عقدنا الاجتماعي بصفة انفرادية وبمشاركة شكلية من «الشعب» أو «الشباب» المقصود منها إضفاء مشروعية بعدية لقرارات طبخت وأعدت خارج الفضاء العام والحوار الديمقراطي الشفاف .
إن لسياسة الأمر الواقع حدود لا ينبغي تجاوزها وإلا تحولت إيجابياتها إلى سلبيات قاتلة ..
نبدأ من حيث انتهت آخر الأحداث : هل يمكن للسلطة التنفيذية أن تعدّ كل ما تعلق بميزانية الدولة وبأحكام المالية وبالتأطير العام لها بمعزل عن كل حوار جدي مع المنظمات والأحزاب والخبراء والمختصين؟ هل يمكن فرض أهم إجراءات متعلقة بحياة الأفراد والمؤسسات وبالتوازنات الكبرى للدولة وبالسياسات العمومية الأهم (استثمار وتشغيل ودعم ومديونية) دون تشاركية مقبولة ومعقولة؟ وهل يمكن أن نقبل بإصرار سلطة تنفيذية على عدم الحوار مع المجتمع والإجابة عن أسئلة الناس والتجاهل التام والكلي لوسائل الإعلام التونسية؟
وإذا لم نقبل بهذا الانفراد بالرأي في ما يتعلق بالوضع المالي والجبائي للبلاد فهل نقبل به في تحديد الإطار الدستوري والقانوني الذي سيجدد قواعد اللعبة الجديدة؟ هل يحق لفرد واحد – مهما كانت شعبيته – أن يفرض على مجتمع بأسره نموذج السلطة التي حلم بها مع بعض رفاق الطريق ؟ وهل يجوز تحويل المرحلة الاستثنائية إلى منصة إطلاق «البناء القاعدي» بعد حوار شكلاني وبيروقراطي مع «الشباب»؟
الانطباع السائد اليوم عند النخب – بالمعنى الواسع للكلمة – وعند أجزاء من الرأي العام أننا بصدد التحول التدريجي من مواطنين كانوا يعيشون في منظومة سياسية فاشلة ومخترقة من الفساد إلى رعايا فيما يقال انه «جمهورية فاضلة» دون إيجاد الفضاءات الضرورية للتشاركية الفعلية وللتعبير عن الاختلاف والتعدد..
الانفراد بالرأي والخطاب العدائي للخصوم يولّد ضرورة مناخات متوترة ومحاكمات شعبية / فيسبوكية لكل من يعترض كليا أو جزئيا على هذا المسار الذي اختاره رئيس الدولة وحده كما يؤكد ذلك بنفسه والحال أن أوضاعنا المالية والاقتصادية والاجتماعية في أسوإ حالاتها وأنها تتطلب تظافر جميع الجهود لإنقاذ بلادنا ولإرجاع الأمل فيها لشبابنا .
لا يمكن لنا أن نواصل في سياسة الانفراد بالرأي والرفض التام والكلي لكل تشاركية فعلية وان نقول مع ذلك أننا مازلنا في مسار ديمقراطي ..
النوايا الطيبة مسألة جيدة في الحياة ولكن لا ينبغي أن ننسى أن الطريق إلى جهنم مبلّطة بها كذلك.
* «مواطنون لا رعايا»، مؤلف للكاتب المصري خالد محمد خالد صدرت طبعته الأولى سنة 1951.
من الانفراد بالقرار إلى الانفراد بالتفكير والتخطيط: مواطنون لا رعايا !!
- بقلم زياد كريشان
- 09:28 02/11/2021
- 1526 عدد المشاهدات
المرحلة الاستثنائية – والتي لا يعلم أحدا متى ستنتهي وما هي طبيعة الإجراءات المسموح بها أثناءها من عدمه – بصدد التحول