فخطابات الرئيس بات اعلانا عن الخطوط العريضة للسياسات العمومية التي ستتبع في البلاد وقد تعزز ذلك بواسطة الامر الرئاسي عدد 117 الصادر في 22 سبتمبر 2021.
فرئيس الجمهورية وفق الفصلين الثامن والتاسع من الامر الرئاسي هو الذي «يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة» وهو ايضا من «يتولى تمثيل الدولة ويضبط سياستها العامة واختياراتها الأساسية» وعلى معنى هذين الفصلين تفسّر خطابات الرئيس وسياساته.
من ذلك خطابه امام صالح الصايل، رئيس هيئة السوق المالية والذي نشرته صفحة الرئاسة مساء الخميس الفارط وفيه اعلن الرئيس عن ان «الشعب يريد تطهير البلاد» وانه «سيطهر كل الاسواق » اضافة الى قوله «لابد من تطهير البلاد وكل المؤسسات » هذه الكلمات التي قالها وشدد عليها في خطابه الذي امتد لسبع دقائق تطرق فيه الى مسائل تعلق بالمؤسسات المالية والتصنيف السيادي وعدم رضاه على طريقة تعامل المؤسسات مع تونس .
تونس الذي تمسّك الرئيس انها دولة ذات سيادة وانها اذا تعاملت مع هذه المؤسسات فانه على هذه المؤسسات ان تتعامل مع تونس على انها دولة ذات سيادة. وليست «تلميذ ينتظر تقييم الاستاذ». هذا الاستاذ الذي قال الرئيس بشكل مباشر ان تقييمه ليس علميا بل سياسي ومرتبط بخيارات الدول ومدى حمايته لمصالحه.
هذا الخطاب الذي أعلن فيه الرئيس عن ان تونس ستتبع نهجا مغايرا في التعامل مع المؤسسات المالية الدولية وانها لا تقبل بالتصنيفات الائتمانية والسيادية التي تسلط عليها الضغط، كما ان الرئيس لم يقتصر بإبداء اعتراضه عن طريقة التعامل بل اتهم ضمنيا المؤسسات المالية الدولية بانها تتحمل مسؤولية في ما بلغته تونس من اوضاع.
فتونس وفي فترة حكم بن علي كانت تشهد تسلل «العصابات» الى مؤسساتها بهدف الاستيلاء على ثرواتها في الوقت الذي لازمت فيه المؤسسات المالية الدولية الصمت والسكوت عن التجاوزات «لحماية مصالحهم» التي قال انه لم يقع المساس بها مقابل السكوت.
خطاب الرئيس الذي كشف فيه عن تصوره لجوهر العلاقة بين تونس والمؤسسات المالية العالمية. حظي بتحليل وتفسير تعلق بالأساس بالرئيس وتصوراته السياسية وللعلاقات الدولية وكيف ان هذا الخطاب قد يعمق ازمات تونس خاصة ان فيه ما قد يدفع بشركاء تونس الى تعليق تعاونهم او مراجعته.
تحليل الخطاب ومحاولة فهم تصور الرئيس، امر مهم خاصة وان الرئيس هو من يحدد السياسات العامة للبلاد. ولو كان في خطابه يوم الخميس ما يعلن عن بوادر ازمة مع المؤسسات المالية التي حملها جزءا من المسؤولية واعتبر انها تتعاطى مع تونس بمنطلق «سياسي».
مثل هذا الخطاب لا يمكن فهمه اليوم في تونس بعد صدور مرسوم 22 سبتمبر الا على انه يحدد ملامح السياسات العمومية القادمة، وان الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن ستكلف بتنزيل هذه السياسات العمومية وهما ووفق خطاب الرئيس، علاقات تبحث عن الندية مع المؤسسات المالية العالمية واذا اقتضى الامر الدخول في ازمة، وتنزيل ارادة الشعب باطلاق «سياسة التطهير»، هذه السياسة التي تحدث عنها الرئيس للمرة الثانية. فالاولى كانت لدى لقائه برئيس المجلس الاعلى للقضاء يوسف بوزاخر يوم الاثنين الفارط.
سياسة التطهير التي أعلن ان اول اهدافها هو «تطهير القضاء» كما اعلن يوم الخميس انها لن تقف هناك بل ستشمل كل المؤسسات فالشعب يريد تطهير البلاد، ما ننتظره اليوم هو هل ستنضبط الحكومة لهذه السياسة وكيف ستنفذها؟ وهل تناقش رئيسة الحكومة رئيس الجمهورية بهدف تعديل السياسات العمومية، لا فقط في هتين النقطتين بل في كل التصورات التي قدمها الرئيس في خطاباته.
فاليوم لم تعد خطابات الرئيس مجرد كلمات ينظر اليها وتحلل لفهم كيف يفكر الرئيس بل هي كلمات ترسم سياسات البلاد في الاسابيع والأشهر القادمة. لكن رغم ذلك تمر وكأنها مجرد خطاب حماسي يخاطب الجمهور ولا يمكن تنزيله على الأرض. تماما كما كان عليه الامر في تحليل الخطابات السابقة لـ25 جويلية ..