الأداء لإبداء الرأي في الشخصية الّتي تقود الفريق الحكومي . لذلك لا أرى مبرّرا للموقف السلبي لبعض السّاسة من تكليف السيدة نجلاء بودن على رأس الحكومة الّتي سيقع تشكيلها . و في المقابل يكون التقبل الإيجابي لهذا التكليف مُبرّرا من منظار تعيين أول إمرأة في هذا المنصب في تونس وفي مختلف الدول العربية ، وذلك في دولة تجاوزت فيها نسبة التمدرس في التعليم العالي نسبة الذكور، و«احتلت فيها تونس المرتبة الثانية عالميًا من حيث نسبة الإناث خريجات الشعب العلمية في التعليم العالي، على غرار علوم التكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بنسبة 58 ٪ » حسب تصنيف نشره البنك الدولي خلال شهر ماي 2019 .
وهذا لا يعني أن نسبة النجاح السياسي مضمونة كما لا يعني أن نخبة الذكور الّذين تولوا هذا المنصب في السابق كانوا الأقدر على تقديم أداء متميّز في مجال القيادة السياسية أو التصرف أو في تحقيق التقدّم المنشود ، والدليل على ذلك ، الفشل المشهود لتونس في العشرية الماضية .
هذا التقبل الإيجابي سيبقى رهن التوفيق في تشكيل حكومة مقتدرة في ظل إشراف عام لرئيس الجمهورية الّذي حمّل نفسه منذ 25 جويلية 2021 مسؤولية تجاوز تونس لأزمتها و إخراجها من الوضع المتردّي الّذي تشهده من سنوات .
وقد جعلت هذه المسؤولية الكبرى السياسيين الّذين فشلوا في ضمان التوازن المنشود للبلاد و في تحقيق الإقلاع الإقتصادي و الإستقرار السياسي ، يحاكمون النوايا ويصادرون الحلول، ويعمدون إلى تعطيل انطلاق تجربة جديدة فرضها الفشل في إدارة البلاد في ظل نظام برلماني مشوّه تكلست حركته تحت قبة البرلمان وتسبب في إضعاف الدولة و تقهقر سبل الإنماء فيها و إغراقها في الديون و رهن مستقبلها بين أيادي الدوائر المالية و البلدان المانحة في وضع اقتصادي عالمي سيء .
يحدث هذا بعد أن ارتسمت خطوط محاولة التصحيح و تغيير أوضاع البلاد، و رغم الحاجة الملحة للتفاعل الإيجابي لكل القوى السياسية والاجتماعية الوطنية الصادقة في غيرتها على البلاد و على مستقبلها ، ورغم الجاجة إلى الدعم لإنجاح التصحيح الّذي التزم به سعيد . بدل كل هذا ذهب عدد من البرلمانيين تحت مظلة رئيس مجلس النواب المجمّد راشد الغنوشي و داعميه ، لمحاولة إعادة نشاط البرلمان في بداية سنة سياسية تبدو صعبة على كل الأصعدة . هذه المحاولات تتضمن إثارة مسألة الشرعية ، واستغلال البطء ، في تفعيل التنظيم المؤقت للسلط في إتجاه رسم خطة الخروج من الحالة الاستثنائية ، إلى مخرجات استعادة الدولة للسير العادي لدواليبها.
إن محاولة الحشد البرلماني في 1 أكتوبر 2021 كشفت عن أن الدعوات إلى الحوار والخطاب الّذي روّج له بعض قياديي النهضة تحت يافطة المستقيلين الرافضين لمنهجية الغنوشي ، والمنخرطين في تمشيهم ،حفاظا على مراكزهم و طموحاتهم ، كانت بهدف إرباك تمشي قيس سعيد و جره إلى المربع الّذي يحذقون التحكم في تحريك خيوطه ، للتدليل على فشل مساعيه و لبيان عجزه على تنفيذ ما عزم عليه ، خاصة بعد أن أقدم على ما لم يقرؤوا له حسابا عندما كلف السيدة نجلاء بودن ، الّتي لم تكن معروفة في الأوساط السياسية أو المدنية النشيطة ، بالضبط كما لم يقرؤوا حسابا لشخصية قيس سعد عندما ترشح لمنصب رئاسة الجمهورية وعندما تسلّم مهامه دون أن تكون له سابق تجربة في التسيير. والغريب أن المؤاخذين لرئيس الدولة و منتقديه بخصوص تكليف السيدة بودن ، تناسوا أن أغلب الّذين كلفوا بنفس المهام لم يكونوا من الألمعيين في السياسة أو في تسيير مؤسسات الدولة .
لقد أراد المستغلون لبطء تشكيل الحكومة والإعلان عن مسار الخروج من الحالة الاستثنائية ، التظاهر بأن إلتحاقهم بالبرلمان كان بمناسبة إنتهاء العطلة البرلمانية ، متجاهلين ما سبق الإعلان عنه من تدابير والأمر الرئاسي عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021، الّذي أصبح نافذا و واجب الإذعان إلى أحكامه طبق المقتضيات الدستورية الّتي استند إليها ، و القول بغير ذلك ، رفض للإقرار بالفشل في العشرية السابقة و تبعاتها ودعوة ضمنية إلى تجاوز القوانين الاستثنائية المطبقة بما قد يهدّد كيان الدولة و وحدتها.
كل هذا يبرّر دعوات منظمات وطنية ومكونات من المجتمع المدني والعديد من الحقوقيين و السياسيين ، إلى التسريع في تشكيل الحكومة الّتي ستترأسها السيدة نجلاء بودن، لإعادة السير العادي لمختلف هياكل الدولة و القيام بالإصلاحات العاجلة والمهام المتأكدة مع تحديد المنهجية الكفيلة بإنهاء التدابير الاستثنائية ، و بلورة أمل التونسيين في وضع أسس صحيحة لدولة القانون والمؤسسات و تحقيق الإقلاع الاقتصادي وسبل التنمية و العيش الكريم .