نظري يقدم «الشعب» واحدا موحدا امام «الاخر» العدو، ويسقط «الواقع» هذه التصورات الرومنسية والشعبوية في علاقة بالشعب.
فالشعب هذا الكائن الذي يتوجه إليه كل الفاعليين السياسيين ويخاطبونه ككيان منسجم متناغم يعرفونه وفق توجهاتهم السياسية لا وجود له على ارض الواقع. حتى وان حرص كل فاعل سياسي على الانتقال بـ«شعبه» من النظري الى الواقع عبر تقنيات الاتصال والخطابة وتمسك بتسويق هذه الصورة عن الشعب باعتباره كيانا واحدا له رأي واحد وموقف واحد وانتماء واحد.
في تونس ما بعد 2011- وقبلها- تكلم كثيرون باسم الشعب وجعلوا من تصوراتهم ومشاريعهم السياسية «مشاريع الشعب وتصوراته»- حركة النهضة في 2011 النداء في 2014 والرئيس قيس سيعد منذ 2019 .
جميعهم باسم شعب لا وجود له الا في تصوراتهم التي تجعل من انصارهم وناخبيهم «الشعب» أما البقية فهم «صفر فاصل» وفق خطاب النهضة او فوضويين وفق خطاب النداء، واليوم «مجرمون» متآمرون وفق خطاب الرئيس.
في كل هذا ينطلق كل من يتحدث باسم الشعب من ثوابت لديه، وهي ان الشعب جسم وحيد مترابط له نفس الميول والقراءة والموقف، وان هذا الشعب فوض عبر الانتخابات من يتحدث باسمه ويقرر مصيره ويحسم القضايا الخلافية الكبرى. الهوية الاسلامية لدى النهضة- وتغيير كامل منظومة الحكم لدى سعيد اليوم.
شعب نجده في خطاب رئيس الجمهورية يتسم بصفات محددة، وهي انه ضحية مؤامرة تشارك فيها النخبة والطبقة السياسية رأسا. كما ان هذا الشعب «يعلم» ما يريد ويمكنه ان يحقق ذلك دون حاجة إلى من يمثله أو يقوده. اضافة الى ان هذا الشعب النظري يتبنى كل مقولات الرئيس.
هنا تجب العودة الى هذه المقولات والوقوف عندها. فالرئيس ومنذ حملته التفسيرية /الانتخابية كان حريصا على ان يؤصل لهذه المقاربة التي تنطلق من ان «الشعب» جسم واحد يعرف ماذا يريد و له القدرة على تحقيق ذلك عبر انتاج خطاب وتصورات وتمثلات سياسية واحدة متناغمة منسجمة فيما بينها يمكنها من ان تحقق الرفاه لكل افراده وذلك يحتاج إلى اطار قانوني لتحقيق ذلك.
هنا يبرز دور الرئيس، كقائد لهذا الجسم الذي يعبر عنه باسم «الشعب». هذا جوهر ما كان يقدم في الحملة الانتخابية في الاستحقاق الرئاسي. ويبدو انه سيكون جوهر عمل الرئيس في الايام القادمة إذا ما تعلق الامر بخطة الرئيس لإدارة المرحلة الاستثنائية وطريق الخروج منها وموعد هذا الخروج.
فمنذ 25 جويلية 2021 لم يعد حضور الشعب في كلمات الرئيس كما كان في السابق بل بات محدد ومعه حددت رغبات الشعب ومطالبه. وهذا ما قد يفسر سبب تأخر الرئيس عن شرح خطته للشعب.
فالرئيس هو أول المدركين أن «الشعب» الذي يتحدث باسمه ليس ذلك الكيان الموحد ولا المنسجم المتناغم في تصوراته ومطالبه. اي ان التونسيين الذين استقبلوا اجراءات الرئيس في 25 من جويلية بترحاب واحتفال أو بحذر وتوجس. لا يتبنى جميعهم تصورات الرئيس السياسية لكيفية ادارة الحكم او لدور الأحزاب والمنظمات ولا لمقارباته الاقتصادية والاجتماعية.
الشعب الذي تكلم الرئيس باسمه منذ 25 جويلية هو «مجموعات» من التونسيين تقاطعت سبلهم وانتظاراتهم ورغباتهم السياسية في 25 جويلية، اي ان الشعب لا يبرز ككيان موحد الا إذا تعلق الامر بانهاء حالة الازمة السياسية ووضع حد للحلقة المفرغة التي انجرفت اليها تونس خاصة في سنتها الاخيرة.
بعبارات اخرى يدرك سعيد ان الشعبية التي حققها في الاسابيع الاخيرة مبعثها «وضع» حد لحالة الصراع بين مؤسسات الدولة وخاصة تجميد البرلمان الذي يحضر بصورة سلبية في تقييم التونسيين لمؤسساتهم السياسية، اضافة الى انهاء مرحلة هيمنة الاسلام السياسي والقصد هنا ليس النهضة فقط بل ائتلاف الكرامة كذلك والاحزاب او المجموعات التي تنتسب للإسلام السياسي.
دون هذا فان «الشعب» يشكّل مجموعات مختلفة الاحجام والأوزان إذا ما تعلق الامر بتفاصيل ادارة المرحلة القادمة وخاصة مسألة الحريات العامة والفردية وشكل الحكم وتوزيع السلطة وما يتبعه من تفاصيل عديدة تتعلق بالمشروع السياسي للرئيس.
لهذا ولتجنب خسارة الزخم والحماسة في الشارع يحافظ الرئيس على ما يعتبره عناصر تجميع الشعب لإبقائه في حالة نشاط وذلك بالحفاظ على الغموض والابقاء على حالة الترقب والتأهب من مخاطر ومؤامرات .
فسعيد يدرك ان «الشعب» ليس الا كائنا نظريا في السياسة ولا وجود له على الارض. لهذا فانه يتجنب كشف الكثير من عناصر مشروعه لإدراكه ان جزءا من أنصاره قد ينفضون من حوله ، ففي النهاية التونسيين ليسوا كيانا واحدا منسجما ليحق لمن في الحكم او للسياسيين ان يختزله في صور نمطية او تمثلات سياسية تجرده من كل اختلافاته ويجعل منه «جسما واحدا» منسجما في مواقفه مع مواقف المتكلم خاصة إذا كان في الحكم.
حضر في جل خطابات قيس سعيد: شعب الرئيس ... من هم ؟
- بقلم حسان العيادي
- 10:38 28/08/2021
- 1666 عدد المشاهدات
الشعب، كلمة تسجل حضورها بشكل بارز في خطاب رئيس الجمهورية الذي جعل من نفسه نصيرا له ومتحدثا باسمه، وقد أصبحنا امام خطاب