وعلق به مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن كل أعضائه ..
سوف نبقى مختلفين في توصيف ما حصل وفق زوايا نظرنا المختلفة وتعدد مواقعنا ومواقفنا الماضية والحاضرة كذلك، ولكن التوصيف الفعلي والنهائي لا يمكن أن يكون باتا اليوم إلا وفق مآلات هذا المسار وطبيعة المشهد الجديد الذي سيفضي إليه،عندها فقط يحق لنا أن نقول أن 25 جويلية كان انقلابا على الدستور لأنه أدى إلى نظام تسلطي أو أنه كان تصحيحا ضروريا لأنه سيعطينا ديمقراطية خالية من كل الشوائب والمفاسد التي حلّت بها أو انه سيفتح الباب على تجربة جديدة في الحكم لا عهد لنا بها ..
نقول بداية أن انغلاق منظومة على نفسها واستحالة إصلاحها من داخلها يؤدي حتما الى انفجارها حتى ولو كانت في هذه المنظومة عناصر إيجابية بالقوة أو بالفعل..والانغلاق لا يتأتى فقط من استحالة التغيير وفقا للنصوص الدستورية والقانونية المنظمة لها ولكنه يتأتى أساسا من فقدان بصيرة من يتحكمون فيها وعدم إقدامهم على التنازلات الضرورية في إبانها اعتقادا منهم أن شرعية الانتخاب أو الشرعية التاريخية أو أية شرعية أخرى تعطي لأصحابها صكّا على بياض..
هذا ما حصل لمنظومة بورقيبة وهذا ما حصل لمنظومة بن علي وهذا ما حصل يوم 25 جويلية للمنظومة التي سادت البلاد خلال العقد الأول من الثورة التونسية ،وهذا ما يمكن أن يحصل أيضا للمنظومة الحالية التي هي بصدد التشكل الان .
تعيش تونس منذ عشرة أيام «حالة استثنائية» وفق توصيف الفصل 80 من الدستور ولكن هذه الحالة ليست بالضبط الحالة التي افترضها الدستور أي توحد مختلف أجهزة الدولة الرئيسية (رئاسة وحكومة وبرلمانا) للتصدي للخطر الداهم،بل اعتبر الرئيس أن الخطر الداهم متأت بالأساس من بعض أجهزة الدولة (الحكومة والبرلمان) وهذا ما سيجعل العودة إلى «السير العادي لدواليب الدولة» أمرا مستحيلا على الأقل إذا اعتبرنا أن «السير العادي» هو الوضع الذي كان ساريا قبل 25 جويلية .
نحن إذن في حالة استثنائية تجمعت فيها السلطتان التنفيذيتان برأسيها والسلطة التشريعية في يد رئيس الدولة تجاوبا مع مطلب شعبي قوي وواضح وهذا يجعل رئيس الجمهورية المحور شبه الوحيد للحياة السياسية .
تفيد كل مداخلات رئيس الدولة خلال هذه الأيام بأمرين اثنين: لا مجال للرجوع إلى ما قبل 25 جويلية أي لا مكان لمن حكموا البلاد إلى العودة في الصورة كما انه شدد في كل تدخلاته على احترام الحقوق والحريات وانه لا مجال إلى الاستبداد من جديد في تونس ..
كيف يمكن أن نوفق بين هذين الأمرين ؟
أي هل سنعود بعد هذه التدابير الاستثنائية الى حياة سياسية تقليدية تتنافس فيها الأحزاب التي ألفناها مع استبعاد الفاسدين أو مع استبعاد كل أحزاب التحالف الحاكم السابق؟
في النهاية هل أن العيب الأساسي بالنسبة لرئيس الدولة يكمن في أحزاب بعينها، اسلاموية وانتهازية،سيطرت على البلاد بحكم المال الفاسد والتحالفات المشبوهة أم أن الخلل الرئيسي يكمن في النظام البرلمان ذاته وفي المنظومة الحزبية وذلك أيا كانت الأحزاب التي تشكلها ؟
الواضح أن قيس سعيد يميل إلى الرأي الثاني، فهو يريد ديمقراطية قاعدية دون أحزاب أو على الأقل لا تتحكم فيها الأحزاب، بل ديمقراطية تعكس اختيارات «الشباب» والناس على مستوى محلي جدا وهذا ما يفترض إعادة صياغة جذرية لا فقط للنظام السياسي بل لهندسة الحكم والدولة كلها ..
الواضح – إلى حدّ ما – أن الفترة الاستثنائية لن تدوم شهرا واحدا بل أشهرا عديدة يتم فيها الإعداد لدستور جديد يعدل النظام السياسي رأسا على عقب ولا يكتفي بإلغاء النظام شبه البرلماني وتعويضه بنظام رئاسي .
والسؤال هنا هل سيوافق داعمو قيس سعيد من أحزاب ومنظمات وشخصيات على هذا التوجه الجديد ؟ وهل سيبحث الرئيس عن حل وسط يوفق فيه بين آرائه وبين تصورات جلّ النخب والمنظمات التي رفضت منظومة العشرية الأولى من الثورة ؟
ثم كيف سيتم القطع النهائي مع منظومة النهضة وحلفائها ؟ هل سيقع ذلك بانتظار أحكام القضاء وخاصة محكمة المحاسبات أم سيتم حل هذه الأحزاب (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة) جملة واحدة ؟
هل سينهي رئيس الدولة نهائيا وجود الإسلام السياسي ؟ وكيف سيعمد إلى ذلك ؟ هل سيلجأ إلى خطاب محافظ شعبوي لإلغاء شرعية الإسلام السياسي، أم سيقحم مقادير من الحداثة الفكرية التي ظل يرفضها إلى حدّ الآن وخاصة في ما يتعلق بمفهوم المساواة بين الجنسين ؟
ثم هل سيكون رئيس الحكومة المرتقب عنوانا لمواصلة التعامل الوثيق مع شركائنا التقليدين،الدول الغربية وصندوق النقد الدولي مثالا ، أم انه سيسعى الى إحداث قطيعة ما في سياسة تونس تجاه هذه الجهات ؟
أسئلة كثيرة ما تزال عالقة وبالإجابة عليها تتحدد ملامح خطة الرئيس قيس سعيد لتونس التي يريد ..ويبقى الامتحان الأعسر أمامه إمكانية استئناف حياة ديمقراطية عادية دون أن يعطي الانطباع بأنه قد استجاب إلى ضغوطات المنظومة التي أسقطها ..
إرضاء المناصرين وخاصة القصوويين منهم مع إرضاء كل المتخوفين من التضحية بالديمقراطية قد تكون غاية يصعب كثيرا إدراكها.
10 أيام بعد تفعيل الفصل 80: المعلوم والمجاهيل
- بقلم زياد كريشان
- 09:46 04/08/2021
- 1341 عدد المشاهدات
تمرّ اليوم 10 أيام على إقدام رئيس الدولة على تفعيل الفصل 80 من الدستور وفق تأويله الخاص والمتوسع والذي أقال بموجبه رئيس الحكومة