بل هي منفصلة متنافرة غذّاها تهافت السياسيين وحذلقتهم وانشغالهم في الصراع من أجل حكم الخراب. فأزهقوا ارواح الناس وأحلامهم ومستقبلهم.
صراعات حول أي نظام سياسي يريدونه وحول من يتحمل وزر الازمة ومن يحدد شروط الحوار وصفاته لضمان تحقيق مكاسب، هذا كلّ ما يشغل الطبقة السياسية والقول بغير هذا في محاولة لتلطيف العبارات على امل ان يكون من في الحكم او المعارضة لبيبا ليفهم ان الاولويات الملحة التي توجه البلاد ليست تسوية النزاعات السياسية.
لكن لا عاقل فيهم يدرك ان البلاد والعباد قد القي بهم ليواجهوا اقدارهم ومصائرهم بمفردهم دون دولة تهافت ساستها والماسكون بمقاليد حكمها على الاقتتال وغفلتهم عن ان المعركة التي يخوضها التونسيون بمفردهم اليوم هي معركة من اجل النجاة لا مجال معها للتلكؤ والخوض في مهاترات وصراعات هؤلاء السياسيين.
هؤلاء اجتمعوا على التونسيين جنبا الى جنب مع الموت والنوائب وفواجع الدهر مع ازمة سياسية كانت تعلن عن نفسها منذ انتخابات 2019 ومن قبلها حينما انتشى الفاعلون الجدد في الحكم وغفلوا عن حقائق الاوضاع وتعقيدات ادارة البلاد التي تعاني منذ عقود من أزمة هيكلية وجوهرية يمكن اختصارها بطرح سؤال مركب « اي تونس نريد؟ وأي مستقبل نرغب في ان نؤمنه للقادمين؟ .
اي تونس نريد؟ بعد ان صفعتنا مئات المشاهد لفضائح ومهازل وكوارث نجمت عن صبيانية الفاعلين السياسيين وعدم كفاءتهم في ادارة البلاد واستباق المصائب والكوارث طبقة سياسية تنشغل بسفاسف الامور وتغفل عن ان اكثر من 13 الف تونسي قضوا نحبهم جراء جائحة الكورونا وان هذا الرقم ما كان ليسجل لولا سوء ادارتهم للملفات وأخطرها ملف الجائحة.
فبدل الانكباب على رسم خطة فعلية لإنقاذ العباد انشغلت الطبقة السياسية برمتها، حكما ومعارضة، في التطاحن والصراع والبحث عن من يحكم قبضته على بلد يتجه الهوينى الى الخراب على يد طبقة سياسية باتت اليوم وبكل فجور تحمل المسؤولية للتونسين لأنهم لم ينضبطوا للإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي الخ.. تحملهم مسؤولية وتنكر عن نفسها الخطأ الذي تكرر فبات مريبا، على غرار ما يحدث في ولاية القيروان التي تسجل منذ ايام عدة نسبة مرتفعة للإصابة تجاوزت 47 بالمائة. نسبة لم تكن كافية لتدفع بالمشرفين على الدولة الى التحرك ومنهم رئيس الحكومة الذي قرر امس تحت وطأة الصور المفجعة ان يرسل فريقا الى الولاية ليعاين ويحدد النقائص ومن بعده الرئيس الذي قرر ان يركز مستشفى عسكريا في القريب العاجل.
في انتظار ذلك يترك من في القيروان بمفردهم يجابهون الموت. دون بنية تحتية صحية تستطيع مجاراة عدد المصابين بالفيروس لتقدم لهم الرعاية الصحية الأساسية تترك القيروان بمفردها لتواجه الموت وغباء الساسة الذين قادوا البلاد برمتها الى الخراب والهلاك.
خراب هو ما يتصارع من اجله السياسيون اليوم، والقول بغير ذلك ليس إلا محاولة لتجنب إثارة الخوف والجزع في قلوب التونسيين ، ولكن ما عاشته القيروان منذ اسابيع وتعيشه كفيل بان يصفعنا ويجعلنا امام حقيقة الوضع.
والحقيقة ان تونس وأزمنتها لم تعد واحدة موحدة. هناك تونس للطبقة السياسية التي تتصارع وتتقاذف وتناور من أجل تحقيق نقاط على حساب الخصوم، وتونس تلك سليمة معافاة لا تعاني من ضرر ولا من خطب تمتلك ترف الوقت لصرفه في مناورات سياسية وفتح نقاش عن شكل النظام السياسي وتغيير الدستور أو من يتجاوز صلاحياته ومن يتآمر على من.
اما تونس الأخرى فهي ثكلي مكلومة تبصر موت ابنائها العبثي الناجم عن فشل حكومة وطبقة سياسية باتا اليوم اشّد ضررا عليها من المرض السقام. تونس اخرى تعيش على وقع كارثة صحية وانتشار سريع لعدوى الكورونا التي حصدت ارواح اكثر من الف 13 تونسي وللأسف ستحصد المزيد.
تونس اخرى تعيش على وقع الازمة الاقتصادية والتوتر الاجتماعي وارتفاع منسوب الغضب والحنق والعنف في شارع يبدو انه لن يكتم غيضه اكثر وسينفجر عاجلا ام اجلا في وجه حكامه وفي وجه كل من ساهم في النكبة التي نعيشها.
تونس اخرى تعيش على وقع غياب الامل والثقة في الغد، غدا يسلب من التونسيين ليمنح لطبقة سياسية حملتها الصدف وعدد المشاهدات الى سدة الحكم دون مشروع ودون رؤية وبرنامج غير الحكم والتشبث بكرسيه.
طبقة سياسية لم يعد من المجدي اثارة انتباهها او توجيه النصح إليها بالكف عن الفذلكة والتحذلق والذهاب الى الحل فقد فات اوان ذلك وما عاد يمكن الا ان يوجه اليهم القول التالي «ارحلوا عن أرضنا وبحرنا وسمائنا... ارحلوا»...
فيما الصراعات تشغل الطبقة السياسية: تونس المنكوبة تستغيث من عبثية حكامها
- بقلم حسان العيادي
- 12:48 21/06/2021
- 1015 عدد المشاهدات
تأتي الصور والمشاهد والشهادات من القيروان لتصفعنا بحقيقة ان تونس ليست واحدة كما أن ازمنتها ليست موحّدة متناسقة.