من الازمات المتلاحقة في ظل سعى كل الاطرف الى تأبيد الوضع الراهن علّها تحقق بذلك مكاسب لها.
مكاسب من بينها ما تحدث عنه الرئيس قيس سعيد في حواره يوم امس الاربعاء مع قناة «فرانس 24» والمتمثلة اساسا في تقديم مشروعه السياسي القائم على الديمقراطية المباشرة الذي يعتبره المخرج الوحيد المتبقى للبلاد للخروج من ازمتها ااقتصادية والاجتماعية وهو أساسي لضمان الاستقرار السياسي.
حوار خصص الرئيس القسم الثاني منه لتسجيل نقاط سياسية ضد خصومه الذن يجمعهم في سلة واحدة تحمل اسم «المنظومة»، منظومة تتجزأ لتشمل الحكومة والاحزاب ودوائر النفوذ المالي والاقتصادي، التي يستهدفها الرئيس دائما في كلماته والذين يعتبرهم المتآمرين في الغرف المظلمة.
فرئيس الجمهورية يعتبر أن المناخ السياسي السائد اليوم في تونس «غير مشجع على الاستثمار» و«غير سليم»، وان الوسيلة الوحيدة المتبقية اليوم لبلوغ مناخ سياسي نقي وسليم في البلاد هي ان يقع العمل بمبادرته التي يختزلها في جملة «منح وسحب الوكالة» فعبر هذه الالية يكون من في موقع المسؤولية ونص القانون معبرين عن الارادة الشعبية.
فبالنسبة للرئيس قيس سعيد لا يتحقق المناخ السياسي السليم إلاّ إذا أصبح «المسؤول مسؤولا أمام المواطن» الذي بمقدوره ان يحاسب ويسائل المسؤولين المنتخبين وان يسحب التفويض الذي يمنح بصناديق الاقتراع اذا اخل المنتخب بتعهداته.
هذا ما يطمح اليه الرئيس، هو اقرار الديمقراطية المباشرة التي لا تقوم على الاحزاب او الهياكل الوسطى المنتخبة بل على «الجماهير» وإرادتها التي تعبر عنها بشكل مباشر انطلاقا من المحلي الى المركزي. ولتحقيق هذا لابد من دفع المنظومة الحزبية بالأساس الى الحافة وهو ما يقوم به الرئيس منذ فترة ولكنه أمس تقدم خطوات اضافية فيه بان جعل من احزاب لم يسمها «تتآمر» على البلاد، وذلك في اشارته بشكل صريح ومباشر في رده على سؤال عن استعدادات تونس لعقد القمة الفرنكفونية بقوله « اقولها للعالم كله وللتونسيين البعض يريد احباط الجاهزية وإفشالها. وذلك ليس لافشال القمة في حد ذاتها بل لحسابات سياسية سيأتي الوقت للحديث عنها وللافصاح عن كل تفاصيلها».
منظومة يخوض الرئيس حربه معها منذ تقلده لمنصبه قبل سنة و9 اشهر، خصصها الرئيس ليستعد لحربه الشاملة مع الاحزاب وبالأساس مع احزاب الاغلبية الحاكمة التي تقودها حركة النهضة. حرب يراهن الرئيس على الفوز بها أيا كانت الادوات التي تستخدم.
لكنه في حواره مع «فرانس 24» أخطا بشكل كلي وواضح فالرجل لم يلتزم بواجب التحفظ الذي يتطلبه منصبه وما يعنيه ذلك من تجنب الخوض في المسائل الداخلية خارج تونس، خاصة الصراعات والأزمات بين مؤسسات الدولة، رئاسة وحكومة وبرلمان.
وقد عمد الى تغذية الصراع ونقله الى حرب كسر عظام يريد ان يغادرها منتصرا بإلغاء لخصمه، والخصم هنا هو المنظومة التي تختزل لدى الرئيس في ثنائية الهياكل التمثيلية الوسيطة (برلمان/احزاب/ منظمات مجتمع مدني و نقابات) ودوائر النفوذ التي يستحضرها باسم «لوبيات».
منظومة يرد الرئيس ان يلغيها ويجعلها المسؤولة عن الخراب في البلاد، وثانيا بجعلها العقبة امام تطور البلاد وتحقيق مطالب الشعب من حرية وعدالة اجتماعية اي ان المنظومة هي التي تحول بين الشعب ورفاهه.وهذا هو جوهر الصراع بين الرئيس والأحزاب الذي يتخذ اشكالا عدة ويخاض في معارك صغرى مترابطة.
لذلك يبدو صعبا اليوم اكثر مما مضى ان يذهب الرئيس الى المنطقة الرمادية، اي ان يقبل بالحوار والتنازل وهما شرطان اساسيان لخروج البلاد من أزمتها. وإنهاء حالة الصراع الدائم والمفتوح بين مؤسسات الحكم المتنافرة اليوم وغدا.
رئيس الجمهورية قيس سعيد: التمسك بمعاداة المنظومة ... ماذا بعد ؟
- بقلم حسان العيادي
- 10:10 20/05/2021
- 1569 عدد المشاهدات
بات جليا ان البلاد بلغت مرحلة الانسداد الكلي للأفق السياسي وأن المنظومة القائمة فيها باتت عاجزة عن توفير مخرج