في قطاع غزة وعن قوافل الشهداء وعن الانتهاكات والإهانات التي تلحق كل فلسطينية وفلسطيني فوق أراضيهم وهم يقبعون تحت وطأة احتلال استطاني غاشم لابد أن يكون واضحا لدينا سلم الأولويات والقيم التي ننظر بها إلى الأحداث في سياقاتها التاريخية الفعلية لا الوهمية ..
لقد اشتغلت الحركة الصهيونية في أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين على ما كانت تسميه بوطن قومي لليهود،وفلسطين لم تكن خيارها الأول كما هو معروف حتى تمكنت من افتكاك ما يسمى بوعد بلفور سنة 1917 من الإمبراطورية البريطانية ثم اقتلاع قرار التقسيم من المنتظم الأممي سنة 1948 مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية والبشرية آنذاك تحت صدمة المحرقة النازية وأمام غياب كلي للعالم العربي والذي مازالت تقبع جلّ دوله تحت الاحتلال الغربي ..
ومن قرار التقسيم إلى اليوم تمددت دولة «إسرائيل» وخرقت كل القرارات الأممية وعمدت إلى احتلال استيطاني وكانت غايتها اختزال قضية الشعب الفلسطيني إلى مجموعة من العرب القاطنين بصفة عشوائية على أرض تعود «تاريخيا» لليهود تحت ذلك الشعار الذي يريد الاستئصال الكلي للوجود الفلسطيني «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»..
ورغم قوس أوسلو والذي سريعا ما أغلق فإن السياسة الإسرائيلية واضحة ومسترسلة في الزمن: التهجير والاستيطان وكسر شوكة المقاومة وتحويل فلسطين التاريخية إلى قطاع غزة الذي يضيق بساكنيه والمحاصر من كل جانب،وضفة مخترقة بمستوطنات في كامل جسدها بما يجعل من إمكانية قيام حتى مجرّد دويلة فلسطينية أمرا بلا معنى ولا مغزى..
هذه هي حقيقة المأساة المسلطة على الشعب الفلسطيني منذ ثلاثة أرباع قرن أو يزيد، وهذه هي المسؤولية التاريخية للدول الكبرى والتي أرادت أن تعوض لضحايا المحرقة اليهودية (أو لبعضهم) فسمحت وتسمح لهم بإقامة نظام احتلال استيطاني قائم على ميز عنصري على خلفية دينية ..
إنّ من لا يدرك هذه الحقائق البسيطة أو يريد أن يتجاهلها أو أن يختصرها في منظمة حماس أو في صواريخها أو في أي عملية فدائية أخرى إنما يريد أن يغطي على هذه المظلمة التاريخية إما جهلا أو تجاهلا أو خوفا من وصم معاداة السامية أو طمعا في أصوات وهذا للأسف – اليوم - حال نظم ونخب غريبة تتنكر فيها لأبسط مبادئ حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ..
إن انتصارنا الكامل للقضية الفلسطينية لا يتأتى من باب العصبية العرقية أو الدينية وهو لا يستهدف ديانة أو جنسا،بل ينخرط في ضرورة وقوف أحرار هذا العالم مع قضية عدالتها واضحة والإيمان بان استمرار هذه المظلمة يمثل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء ..
هذه الأساسيات التي لا مناص من الانطلاق منها، ثم تأتي بعد ذلك كل التفاصيل الأخرى على أهميتها كمسألة وحدة الصف الفلسطيني وطبيعة مقاومته الشرعية للاحتلال وللأفق السياسي الذي يريد أن يضعه وكيفية إدارة الصراع وحشد الدعم الدولي لحلّ عادل يقبل به الشعب الفلسطيني، ونحن هنا معنيون بالدعم وإبداء النصيحة كلما بدا لنا الأمر كذلك وألا نشتت الجهد بمعارك جانبية وأن نقبل بأن يكون الإسناد من مواقع مختلفة وبدرجات متباينة كذلك ..
وهنا يأتي - كذلك - حرصنا على إبقاء القضية الفلسطينية في افقها الإنساني النبيل القادر لوحده أن يوفر شروط إمكان تجاوز هذه المظلمة ولذلك علينا أن نكون حريصين أيما حرص على وحدة القيادة الفلسطينية وعلى ألا يتحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع ديني لأننا بذلك نؤبد الصراع ونخسر الدعم الضروري للرأي العام الدولي لهذه القضية العادلة ..
أمامنا عمل كبير لبيان تهافت المروية الصهيونية القائمة على فكرة أن «إسرائيل» دولة «ديمقراطية» تحارب «الإرهاب الإسلامي» ككل الدول الديمقراطية الأخرى بما في ذلك تونس ..
الحق الفلسطيني بيّن ولا شك ولكن فوقه اليوم أكداس من البروباغندا ومن تزييف الوعي وهذا يستوجب من كل أحرار العامل بذل جهد بيداغوجي مضاعف ..
ونحن في تونس اليوم مؤسسات رسمية ونخبا ومجتمعا مدنيا علينا القيام بحملة واسعة لإقناع أصدقائنا في أوروبا بعدالة هذه القضية أولا وبضرورة وقف جدي للغطرسة الإسرائيلية ثانيا وبالعمل على إيجاد الشروط الفعلية لحل عادل يرتضيه الفلسطينيون ثالثا ..
هذه المعركة تبدو غير متكافئة -اليوم- ولكن لا تربح المعارك بالتمني بل بخوضها بجدية وشرف وثبات .
فلسطين: قضية شعب، قضية الإنسانية
- بقلم زياد كريشان
- 09:49 18/05/2021
- 1425 عدد المشاهدات
عندمــا نتحـدث عن العدوان الصهيوني الجديد على الفلسطينيين هذه الأيام وعن الدمار الهائل الذي خلفته الضربات الجنونية