لا نملك إزاءها إلا الاستنكار والتنديد والتضامن والتعاطف مع الضحية وأهلها وزملائها ..
أمام مثل هذه الوضعيات ترانا نردد في الغالب : الإرهاب لا دين له ولا وطن له..لو كنّا نريد بهذه العبارة القول بأن الإرهاب باعتباره عدوا للإنسانية جمعاء فهو عدو بالتالي لكل الأوطان ولكل الأديان ولكل الثقافات لكان ذلك هو عين الصواب بلا شك،ولكن لو أردنا بذلك تبرئة ذمتنا المادية والمعنوية من هذه الأفعال الشنيعة فذلك لا يستقيم لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة لضحايا هذا الإرهاب الدموي ..فالمجرم يوم أول أمس تونسي الجنسية وهو مقيم في فرنسا منذ 10 سنوات بداية كمهاجر غير نظامي ثم كمهاجر قانوني وهو يطعن شرطية في عزّ رمضان وفي هذا أكثر من دلالة للجلاد وللضحية في أن واحد ..
بالطبع لا يمكن أن يحمّل شعب بأسره وزر جرائم بعض المنتسبين إليه ولكن تكرر هذه العمليات وتصدر التونسيين في أوروبا القائمة الدموية للجناة يدعونا إلى وقفة جدية ولطرح الأسئلة المحرجة والضرورية حول بلادنا وسياساتنا وذواتنا ..
غني عن القول بأن أول ضحايا الإرهاب السلفي الجهادي المعولم الذي يقترفه من شاركونا في لحظة ما نفس مسقط الرأس إنما هم التونسيون أساسا وكذلك السوريون والليبيون والعراقيون والفرنسيون ..فهذا الإرهاب السلفي الجهادي المعولم قد شنّ حربا على البشرية جمعاء بهمجيّة لا تعترف بالحدود،ولكن لِمَ نحن في صدارة الدول «المنتجة» و»المصدرة»للإرهابيين؟
هذا السؤال لم نطرحه بعد بالجدية الكافية ولم نبدأ بالتالي في الإجابة عنه ..
لا ينكر عاقل واحد الجهود الاستثنائية التي بذلتها بلادنا وخاصة عبر مؤسستينا العسكرية والأمنية لضرب الجماعات الإرهابية في العمق وللحدّ من قدرتها على التحرك والإيذاء..ولكن اقتلاع دابر الإرهاب ليس مهمة أمنية فقط رغم الأهمية القصوى للمعالجة الأمنية وتفكيك كل الخلايا من المسلحة إلى النائمة للإرهاب ..
ولكن الإرهاب الذي يعشش في عقول البعض لا يمكن لكل أجهزة الدنيا أن تجتثه،ومعالجته طويلة ومتعددة الجوانب وأهمها محاربة وتجفيف منابع كل الطرق المؤدية إلى الإرهاب وأهمها هنا الفكر السلفي التكفيري المتشدد من جهة وثقافة العنف والانحراف من جهة أخرى لما لهذين البعدين من روابط أكيدة ومن علاقات مدمرة ..
هل تحارب بلادنا فعلا الفكر المتطرف وكل الجماعات المنتسبة إليه ؟ الجواب واضح : لا وألف لا ..فللفكر المتطرف اذرع جمعياتية وإعلامية وسياسية لا يراقبها أحد بل يتمتع بعض المتطرفين بالحصانة السياسية والاجتماعية وحتى القانونية، وبلادنا ولئن وضعت الخطط الضرورية لمحاربة المجموعات المسلحة أو المنتمية مباشرة للتنظيمات الإرهابية السلفية الجهادية المعلومة كالقاعدة أو داعش إلا أنها لا تملك ولو بداية خطة أو نيّة لمحاربة التطرف الديني والتضييق عليه،بل التطرف التكفيري يبقى عند الكثيرين وجهة نظر في حين انه مُجرَّم بوضوح بنص الدستور ..
نحن لا نتحدث عن الحالات الفردية التي أدت ببعض مواطنينا إلى الإرهاب الدموي ولكن نعتقد أن مهادنة التطرف التكفيري هي التي تسمح للجماعات الإرهابية بالتنفس والاستمرار والإبقاء على الحدّ الأدنى من الجاذبية عند بعض شبابنا.
لاشك أن كل سياسة مهما كانت دقتها وشموليتها وفاعليتها لا يمكن لها أن تقضي أو أن تستبق كل الحالات الممكنة للجرائم الإرهابية ،ولكن تجفيف منابع التطرف والعنف هو الذي سيسمح لنا بالحدّ إلى أقصى درجة ممكنة من الخطر الإرهابي على بلادنا وعلى سائر بلاد العالم .
من حقنا أن نطلب معاملة مواطنينا بالخارج وفق المبادئ الإنسانية العادلة ودون أي وصم وألا يحملهم أحد حماقات وجنون وإرهاب بعض بني جلدتهم،ولكن من حق كل التونسيين وكل البشر على دولتنا أن تبذل قصارى الجهد لاجتثاث الإرهاب فكرا وسلوكا وعنفا وإجراما .
وفي الإثناء لا أقل من إدانة وطنية شاملة لهذا الإرهاب ومن تضامن كلي مع كل ضحاياه،أما جماعة «نعم ولكن ..» فهم من جذور الداء كذلك..
مرة أخرى يقترف تونسي جريمة إرهابية في فرنسا: حتى لا نغمض أعيننا !!
- بقلم زياد كريشان
- 10:19 26/04/2021
- 1328 عدد المشاهدات
مرّة أخرى يقترف إرهابي تونسي جريمة نكراء في أوروبا (فرنسا وباريس تحديدا) في مشهدية قتل وحشية ومريعة