شرارة أزمة جديدة بينه وبين القصر وبينه وبين جزء من حزامه السياسي الداعم.
ففي الاسبوع الفارط، وفي لقائه مع ممثلي الاحزاب الداعمة ورؤساء كتلها، اعلم المشيشي الحاضرين انه قرر اجراء تحوير وزاري دون أن يقدم لهم تفاصيله بشكل رسمي، اذ اكتفى باعلامهم ان الحاجة الى التحوير باتت ملحة ، وانه عزم على القيام به.
تحوير لم يعلمهم الرجل بطبيعته ولا بفلسفته، لم يعلمهم ان كان شاملا ام سيقتصر على سد الشغورات، ولم يحسم مسألة تغيير طبيعة حكومته من حكومة مستقليين الى حكومة حزبية تضم ممثلين عن الاحزاب الداعمة له.
ترك المساحات واللعب على تناقض مقاربات حزامه السياسي هو ما انتهجه المشيشي خلال مسار مشارواته التي بات الرجل يعتمد فيها على الاحاديث الثنائية غير الرسمية وعلى قنوات اتصال ينقل عبرها ما يريد ان يسمعه لحزامه السياسي والبرلماني ويستمع الى ردودهم.
مشاورات تجاوزت الشهر ظن الرجل انه حسم فيها الصراعات ونجح في الظفر بنقاط على حساب حزامه السياسي ورئاسة الجمهورية معا، فحزامه السياسي حرص على ان تكون تناقضاته سبيله للتفاوض والظفر بتنازلات من الثلاثي المهيمن عليه، النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.
فالمشيشي اعتمد على رفض كتلة الاصلاح وحركة تحيا تونس والكتلة الوطنية لتغيير طبيعة حكومته من حكومة مستقلة الى حكومة حزبية ليضغط بالاساس على النهضة وقلب تونس بهدف إقناعهما بالقبول بما يقدمه لهما من مواقع في التحوير وفي تحديد طبيعة مرشحيهم الذين طالب بان لا يكونوا رجالات الصف الاول في الاحزاب.
ويبدو انه نجح في ذلك بعد كر وفر بينه وبين قلب تونس اساسا الذي تراجع عن رفضه بعد تعيين مرشح من المحسوبين عليه في التحوير القادم الذي كان نصيب النهضة فيه مرشحين ممن اقترحتهم فيما البقية من «رجالات المشيشي» الذي يبحث عن شراءود اتحاد الشغل باقتراح اسم نقابي في منصب وزاري ليكون للاتحاد في الحكومة وزيران محسوبان عليه.
تحوير استكملت لمساته الاخيرة منذ يومين ووجه الى الاحزاب المعنية قبل الانتقال الى باقي مراحل إجرائه والتي تستوجب المرور برئاسة الجمهورية خطوة قد تتأخر قليلا في انتظار وضوح الرؤية ومعرفة موقف الحزام خاصة تحيا تونس والاصلاح الذين سوق لهما المشيشي ان التحوير تم بتنسيق مع الرئاسة التي لا تعترض عليه كما انه لن يغير طبيعة الحكومة من حكومة مستقلين الى حكومة حزبية.
لكن القائمة التي وجهت للأحزاب وسربت تعكس ان الرجل قرر ان يغامر ويجعل تحويره امام عقبتين أساسيتين، استمرار كامل الحزام البرلماني في دعمه وثانيها تازيم علاقته اكثر بالرئيس قيس سعيّد الذي تدخل لينفى علمه بالتحوير ويدحض سردية المشيشي بانه ينسق معه وان العلاقة جيدة بينهما، وهذا سيكون معطى أساسيا لدى حلفاء الرئيس وباقي الكتل في التعاطي مع التحوير.
فالمشيشي وبتحويره المنتظر سيجبر الكتل البرلمانية التي لا رغبة لها في الصدام مع قصر قرطاج عن أن تكون أمام خيارين، اما دعم التحوير والمصادقة عليه وبذلك تصطف في حلف تدرك جيدا انها ستكون ابرز الخاسرين فيه وهو ما يجعلها محاصرة في المجلس وخارجه اما الخيار الثاني فهو ان تحافظ على مسافة من الصراعات بين قرطاج والقصبة وباردو وذلك بشرط الدعم بقبول الرئيس او بتعديلات تخفف من التوتر بين الرئيس والحكومة.
لذا يبدو ان كتلة تحيا تونس وكتلة الاصلاح ستكونان العقبة الاولى امام تحوير المشيشي المرتقب، إذ ستحددان مصير التحوير اذ ان دعمهما له سيوفر لهما أريحية نسبية لتمرير التحوير الذي تفيد التسريبات انه شمل 9 حقائب وزراية، ثلاثة منها شاغرة اليوم، الثقافة والبيئة والشؤون المحلية والداخلية، والست المتبقيات هي من الاسماء المحسوبة على قصر قرطاج.
ازاحة وزراء الرئيس كما اصطلح على تسميتهم من قبل الحزام الحكومة الضيق، يجسد كل ما كشفه نبيل القروي رئيس قلب تونس منذ اشهر، والتوافق بين النهضة وبين حزبه على لاستغناء عن وزراء القصر مع أول تحوير وزاري يغير طبيعة الحكومة الى حكومة حزبية دون إغفال أن التحوير سيكون اثر المصادقة على قانون المالية وهذا بدوره يسلط ضغطا على المشيشي الذي يدرك ان قائمته المقترحة لا تحضى برضا كلي من قبل حزامه السياسي وأساسا جزء من حركة النهضة كما انها تعزز القطيعة مع القصر الذي لم يحدد موقفه النهائي من تحركات المشيشي واكتفى بالاشارة الى انه غيب عن المشاورات ولم يقع التنسيق مع، ليلمح الى انه سيتخذ الخطوات التي يراها ضرورية.
أي اننا امام احتمال -وان كان ضعيفا- بأن ينتقل الصراع المكتوم بين القصر والحكومة الى الواجهة وبشكل عنيف يجر البلاد الى أزمة سياسية مؤسساتية حادة في ظل ازمات صحية واقتصادية متفاقمة تعيشها البلاد التي باتت اليوم على «كف عفريت» كما يقول المثل الشعبي فيما الصراعات السياسوية على افتكاك مساحات وصلاحيات تحتدم يوما بعد يوم