قيس سيعد كشف موقفه من مبادرة الاتحاد، في بيان نشرته الرئاسة عدل بعد دقيقتين لينتقل من قبول المبادرة الى الإعلان عن مسار تصحيح الثورة.
يوم امس التقى الرئيس قيس سعيد بالامين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي ليعلمه بموقف الرئاسة من المبادرة التي تقدم بها الاتحاد منذ نوفمبر الفارط، لقاء بنهايته تواترت الاخبار المسربة من القصر ومن الاتحاد القائلة بان الرئيس قبل بالمبادرة وسيشرف عليها.
تسريبات استمرت لأكثر من ثلاث ساعات ليأتي بيان الرئاسة المنشور على صفحتها الرسمية بموقع الفايسبوك، وفيه اعلن عن اللقاء وعن قبول الرئيس لمبادرة الاتحاد وعزمة الاشراف عليها وفق ما تتضمنه بنودها. لكن مع التشديد على ان الحوار ليس هو الهدف بذاته بل الهدف هو ان يكون الحوار تمهيدا لتصحيح مسار الثورة.
بيان اول جاء فيه ان الرئيس اعلم الامين العام للاتحاد بقبوله للمبادرة مع تعديل طفيف هو اشراك الشباب من الجهات في اللجان التي ستشكل مع ترك عملية تحديد المعايير في اختيار الشباب الى بداية السنة مع انطلاق اللقاءات التحضيرية بين القصر والنقابة.
بيان لم يدم نشره اكثر من دقيقتين ، قبل ان يسحب ويعدّل ، والتعديلات حملت معها تغييرا كليا في الموقف ومضمونه ، فمن القول الصريح بان رئيس الجمهورية اعلن خلال هذا اللقاء عن قبوله بهذه المبادرة ، الى القول بان الرئيس اعلن «قبوله إجراء حوار لتصحيح مسار الثورة التي تم الانحراف بها عن مسارها الحقيقي الذي حدده الشعب منذ عشر سنوات ألا وهو الشغل والحرية والكرامة الوطنية».
تعديل طال الفقرة الثالثة من البيان وكشف عن الموقف الرسمي للقصر من المبادرة، بعد مناقشته مع الاتحاد الذي قبل بان يعدل الرئيس ويحور من مضمون المبادرة وغاياتهاـ فمن حوار وطني يجمع الاحزاب والمنظمات الوطنية للتوافق بشان حلول اقتصادية واجتماعية تساعد على الخروج من الازمة الراهنة الى «حوار لتصحيح مسار الثورة».
الانتقال من حوار وطني الى حوار لتصحيح مسار الثورة لا يعترض عليه الاتحاد بل يعتبر انه متناغم مع مبادرته، فهو الذي طرح مبادرة مع ترك الباب للتعديل والتحسين، وما اتاه الرئيس يندرج في هذه الخانة، وهذا يجعل الرئاسة امام طريق مفتوح لتنزيل رغبته وتصوره السياسي.
تصور كشفته مفردات البيان المعدل، فمن تمهيد لتصحيح مسار الثورة الى حوار لتصحيح مسار الثورة، مسافة شاسعة تكشف عن ان الرئيس حدد من هم المعنيون بالحوار ومن هم خارجه، فقوله بانه وبعد عشر سنوات سيقع التصحيح ليس الا اعلانا عن فشل المنظومة الحاكمة خلال هذه المدة وهنا تبرز حركة النهضة الطرف الثابت الوحيد في الحكم خلال هذه الفترة.
فترة يعتبر الرئيس أنها لم تكن في صالح الثورة وتحقيق مطالبها وأنه سيقود اليوم حوارا مع الشباب والجهات لتصحيح المسار الذي يبدو انه سيكون هدف الحوار وغايته التي لن تتحقق الا باستبعاد من هم خارج الثورة او اعداء لها، وهنا المحدد سيكون الرئيس الذي لا يبدو انه سيترك مجالا لتشارك الاغلبية البرلمانية فيها، اي النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة.
خيار اتخذه قيس سعيد الذي اصطف خلفه الاتحاد ويبحث عن حشد الشباب في الجهات بان يمنحه مقاعد على الطاولة حوار تصحيح مسار الثورة، الذي ليس سوى إعلان عن دخول الصدام بين القصر وخصومه الحكومة والبرلمان الى مربع جديد، يتمتع فيه الرئيس بافضلية نسبية مقارنة بخصومه.
أفضلية لا تتعلق بانضواء الاتحاد تحت راية تصحيح مسار الثورة ولا بمغازلة الشباب بل في استعادة الرجل لزمام المبادرة السياسية وانتقاله الى مرحلة اللعب المباشر والصريح وتحديد خيارات سياسية تحرج الخصوم وتجد لها «انصارا» فهو سيقود مسار التصحيح وهذا سيمنحه دفعة في حسم جولات من الصراع مع البرلمان واغلبيته.
لكن هذا الزخم وعلى اهميته يبدو انه سيكون أحد عوامل تفاقم الازمة في البلاد، فالرئيس وبعد ان المح الى أنه سيقود حربه على الأغلبية الحاكمة لا يمسك بكل أوراق اللعب ولا يحتكم الى صلاحيات تساعده على فرض خياراته وهذا يعنى أننا سنشهد حربا ضروس بينه وبين الأغلبية مع بداية السنة.