ذكرى تختلط فيها أحلام وآمال البدايات مع تكرار خيبات الأمل بما يدفع يوميا العديد من مواطناتنا ومواطنينا إلى التساؤل عن الجدوى من هذا المسار الثوري ومعنى الانتقال الديمقراطي في بلد يكاد ييأس الجميع منه اليوم..
ورغم ذلك نظل نعتقد أن شيئا عظيما وجميلا قد حصل منذ عشر سنوات وأن النيران التي التهمت جسد البوعزيزي مازالت قادرة على خلق عالم جديد حتى وإن طال المخاض وعسرت الولادة.
بعيدا عن نظرية المؤمرات الداخلية والخارجية والغرف المظلمة والمخططات الجهنمية التي تستهدف البلاد أو ثورتها أو ديمقراطيتها أو دولتها أو دينها ..
بعيدا عن كل هذه المرويات التي تغذي نرجسية هذا الطرف أو ذاك لابد من الاعتراف بوجود فشل جماعي يتقاسم مسؤوليته الجميع وإن بدرجات متفاوتة ومفاده أننا لم نتوفق في الجمع بين الثورة وخلق الثروة أو بين الديمقراطية وفاعلية الدولة وقوتها الى درجة انه يخيل إلينا أننا في متاهة لافكاك لنا منها أو أننا قد وقعنا في منطقة رمال متحركة وأننا كلّما حاولنا الخروج منها زدنا غرقا في وحلها ..
لاشك لدينا أنّ جلّ النخب وجموع المواطنين يحبّون تونس كما لا يحب تونس أحد..ولكنهم اليوم مختلفون فيها ولا يرونها إلا من زاوية مصالحهم ومخاوفهم وطموحاتهم ولم يعودوا يرون في بقية مواطنيهم شركاء في هذا البلد بل أعداء لا يستقيم أمر البلاد إلا بتخليصها وتحريرها منهم ..إنها جمهورية القبائل التي ما فتئت تتغلغل في الأذهان وفي الأعيان على حدّ سواء.
هنالك حقيقة واحدة تنبجس من كل هذه الفوضى غير الخلاقة : لو واصلنا بنفس هذا النسق فسنهوي جميعا بلا ريب وسنقضي على شروط إمكان قيام ديمقراطية سياسية واجتماعية وسنفتح الأبواب على مصارعها لكل المغامرات الشعبوية وللحنين الى الحكم الفردي المستبد ونطفئ بايدينا تلك الشمعة المضيئة التي لاحت في الأفق ذات يوم جمعة منذ عشر سنين خلت.
لا وجود لحتمية أو لهدف ما في التاريخ، ما يوجد فقط هو فعل الأحياء المنفلت دوما عن كل سببية قهرية ..
في الذكرى الثلاثين لـ17 ديسمبر 2010 يمكن لتونس أن تكون سنغفورة إفريقيا والعالم العربي اقتصاديا والسويد ديمقراطيا واجتماعيا، أو على الأقل قد انخرطت بوضوح في سياق الازدهار الاقتصادي والرقي الاجتماعي كما يمكن أن تكون دولة الموز والقبائل والمافيات الصغيرة المتصارعة والمتناحرة، دولة تشحذ ونخب ترُتهن ..
لا وجود لقدر مسبق بل هي طريقنا نحو الخلاص او الهلاك نكتبها بأيدينا فقط لا غير ..
طريق الخلاص يبدأ فقط من المسلك التالي : وقف الاحتراب السياسي والاجتماعي نهائيا كلّفنا ذلك ما كلّفنا من جراحات نرجسية غائرة ومعارك دونكيشوتية زائفة ..
تونس ليست استثناء في التاريخ فلقد شهدت بلدان عديدة وضعيات مشابهة الفرق بين الخلاص والهلاك تعلق في الأغلب الأعم بوجود قيادات استشرفت الأزمة واقترحت على شعوبها طريقا للخلاص وتخلت النخب عن حساباتها الضيقة وانخرطت بقوة في مشروع وطني جامع ..
في تونس – إلى حدّ الآن – غابت هذه القيادة الوطنية وحضر فقط أمراء الحرب..
تلك هي المشكلة ،وذلك هو سبب قلق تونس..
والباقي – كل الباقي – مجرّد تفاصيل ونرجسيات صغيرة تائهة ..
بعد 10 سنوات من الثورة: تـــــونس قلقـــــة ..
- بقلم زياد كريشان
- 09:01 16/12/2020
- 1706 عدد المشاهدات
تحيي تونس غدا الذكرى العاشرة لانطلاق المسار الثوري من مدينة سيدي بوزيد ذات يوم جمعة 17 ديسمبر 2010 عندما أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في جسده النحيف ..