الّتي تراها ملائمة و القابلة للتجميع ، بدل الجلوس على الربوة و ترك الأوضاع تنزلق نحو التعفن. ومن منطلق تفاعل «المغرب» مع كل المساعي الصادقة لإيجاد الحلول التي تخدم تونس رأينا أنه لا بد لرئيس الجمهورية ، أن يتحمل مسؤوليته التاريخية ، بدءا من تجنب التصريح بوجود مخاطر مبهمة والتلويح بمحاسبة و محاربة كيانات غير معلنة ونهاية بتقديم المقترحات الّتي يراها كفيلة بتكوين القاعدة الأساسية التي تضم الأطراف الصادقة الطامحة إلى إخراج البلاد من حالة التردي الّتي هي فيه .
و لكن رد رئيس الجمهورية إثر ما جدّ في مجلس نواب الشعب من تجاوزات و عنف كان في نفس السياق الّذي سبق التصريح به من تحذير و وعيد للـ « المتربصين بتونس في الدّاخل والخارج». و في نفس الوقت لم نسجّل أي تفاعل إيجابي مع مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل بإستثاء شرط عدم تشريك الفاسدين الّذين ظلوا «أشباحا» في نظر عموم التونسيين، في حين تتواصل لهجة العنف والتحدي والتعنت لنواب «إئتلاف الكرامة» تحت غطاء حركة النهضة التي تتبنى إدانة العنف اللّفظي و المادي في المطلق و تمتنع عن التخلي عن ذراعها المنفلت، كما تتواصل الاحتجاجات والإعتصامات و قطع الطرق والإضرابات في مختلف جهات البلاد.
في هذا المناخ المتوتر كثر الجدل حول الحلول الدستورية المستنبطة في اتجاه توليد حلول في محاولة لتجاوز الفراغ الدستوري، ولكن ذلك كان بإجتهادات لا ترتقي إلى قراءة عميقة للنصوص وفي تعسف مجحف على المبادئ القانونية المضمنة بالدستور . فمن التسويق لإمكانية حل البرلمان دون سند ، إلى الدعوة إلى تطبيق للفصل 80 من الدستور بقراءات تميزت بالتأويل الواسع والأفق السياسي الضيق. فالفصل المذكور يتناول الحالة الّتي يمكن فيها لرئيس الجمهورية إتخاذ تدابير إستثنائية ، تحتمها حالة الخطر الداهم المهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو إستقلالها ،و ذلك في صورة تعذر السير العادي لدواليب الدولة بسبب هذا الخطر .هذه الفقرة جاءت بصياغة مسترسلة غير قابلة للتجزئة و لا يمكن أن تقرأ إلا في سياق صياغة طالعها دون تحميلها ما لا تحتمل وإطلاق يد رئيس الجمهورية لإتخاذ ما يراه واعتبار كل تأزم سياسي أو صعوبات إجتماعية أو اقتصادية خطرا داهما بالمفهوم الوارد في الدستور . فنية المشرع لم تتجه إلى مثل هذه الحالات و إنما قد يكون القصد حالات مثل محاولة انقلاب أو تدخل عسكري أجنبي أو محاولة انفصال .. .إلخ . كما أن الذهاب في هذا التأويل إذا كان بدافع سياسي ، يفترض التفكير في ما يوفّره من حلول لتجاوز الأزمة السياسية ، و هو ما لم يقرأ لـه حساب في ظل عدم إمتلاك رئيس الجمهورية لحلول وآليات تضمن حل الأزمة في صورة إقدامه على تبني هذا التأويل في تطبيق هذا النص .
لذلك رأينا منذ الإعلان عن مبادرة الإتحاد، أن هذه الأخيرة يمكن أن تسهم في التهدئة الاجتماعية مع انتهاج تمش إستباقي تنخرط فيه جميع الأطراف لحل معضلات المجلة الإنتخابية و تركيز المحكمة الدستورية وملامسة كيفية إصلاح النظام السياسي ، بتعديل الدستور والقوانين الأساسية التي تعيق العمل المؤسساتي والسياسي .( «المغرب»23 نوفمبر و6 ديسمبر 2020)
وفي هذا المضمار ،يمكن لرئيس الجمهورية بما له من سلطة معنوية بمقتضى الشرعية الّتي يكتسبها ، أن يرعى هذه المبادرة و أن يدفع نحو التهدئة وملامسة الحلول بالحوار البناء و نزع فتائل التوتر عبر خارطة طريق جديدة تكون مبادرة الاتحاد أرضية لها ، قابلة للإثراء و قابلة للدمج مع أي مبادرة مستقلة أخرى تحمل نفس المضامين والأهداف.
فمبادرة الاتحاد تضمنت المراحل الّتي تقتضيها عملية الإنقاذ، بعد استعراض الأوضاع و شرح أسباب المبادرة، و نسجت على منوال خارطة الطريق الّتي انتهجها الرباعي الراعي للحوار مع الأخذ بعين الإعتبار اختلاف الظرف و ملابسات الأوضاع الحالية ، مع تقديم إقتراح لرئيس الجمهورية» بإرساء ما أسماه بـ «هيئةحكماء-وسطاء ،من كافّة الاختصاصات من الشخصيات الوطنية المستقلّة تعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية، على أن «تتولّى هذه الهيئة التي لا يمكن لأعضائها بأيّ حال من الأحوال تحمّل مسؤوليات سياسية أو الترشّح للانتخابات المقبلة، إدارة الحوار وتقريب وجهات النّظر والتّحكيم بين كلّ الأطراف المعنية بالحوار وفق روزنامة معقولة ومسقّفة زمنيا.
هذه المبادرة الّتي جاءت مفتوحة على «كلّ القوى الوطنية التي تؤمن بالدّولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية وتنبذ العنف وترفض الإرهاب وتدافع عن السيادة الوطنية ولا تصطفّ مع الأحلاف الخارجية مهما كان عنوانها» تبدو غير مقصية لأي طرف، في حين أن رئيس الجمهورية عبر عن عدم إستعداده لتبني أي مبادرة تتضمن فاسدين . وإذا دخلنا في باب تحديد معايير تصنيف الفاسدين عن غيرهم، سيستغرق الأمر ما تستغرقه عملية تحديد «قائمة شهداء الثورة» الّتي تتواصل مجهودات تحديدها منذ عشر سنوات دون بلوغ المُبتغى .
هذا الشرط المسبق بدا غير مقنع لذلك دعت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل في بيان لها نشر أمس السبت 12 ديسمبر 2020 إثر إجتماعها المنعقد يوم الجمعة 11 ديسمبر، رئيس الجمهورية إلى التجاوب مع مبادرة الاتحاد لإطلاق حوار وطني. كما دعا الاتحاد في نفس الوقت القوى الوطنية والديمقراطية للتفاعل مع المبادرة لتجنيب تونس «وضعا لا يمكن توقع مدة نتائجه الكارثية».
هذه الدعوة الأخيرة ، تكشف التخوف الكبير من مزيد تردي الأوضاع، ومن ضيق الآفاق السياسية و تكشف عن صعوبة التواصل مع رئاسة الجمهورية ، إذ أدى عدم التفاعل معها بالاتصال المباشر، إلى المطالبة بالرد بواسطة بيان موجه إلى عموم الناس.
لذلك يُطرح التساؤل عن مغبّة عدم التفاعل المطلوب و ما تخفيه الأيام القادمة من تطورات. فلننتظر ...