والجمركية التي سيتم اعتمادها في صورة المصادقة عليها ولكن التوازنات الكبرى لميزانية الدولة من مداخيل ونفقات سوف لن تكون موضوعا لتصويت خاص وحتى النقاش الذي حصل حولها سواء في لجنة المالية أو في مناقشة بيان الحكومة أو في بداية مناقشة قانون المالية لن يفضي بصفة عملية إلى مراجعة التوازنات بصفة جدية ما دام النواب قد يكونون فرغوا من مناقشة مختلف الميزانيات وصادقوا عليها وبالتالي لن تكون هنالك كبير فائدة للحديث مجددا عن هذه التوازنات العامة ومن أهمها حاجة الدولة إلى اقتراض 19.6 مليار دينار ومن بينها 16.6 من الاقتراض الخارجي ..
قلنا ونكرر أننا سنكون أمام ميزانية بلا خطة تمويل واضحة ومضمونة والقول بأننا سنحشد أكثر من 10 مليار دينار من السوق الدولية إنما هو مجرد نوايا حسنة وكتابة رقمية لا مضمون لها ..
في السنة القادمة ستدفع تونس اكثر من 15 مليار دينار كخدمة للدين أي حوالي ثلاثة أضعاف ما كانت تدفعه منذ سنوات قليلة فقط ،فعلى سبيل التذكير كانت خدمة الدين دون 5 مليار دينار في سنة 2014 وهذا التطور المخيف يبين لوحده مستوى التدحرج المستمر للتوازنات المالية العامة للبلاد ..
وبما أن تقديراتنا متفائلة دوما وتجانب -في الغالب الأعم- الصواب فالأرجح إذن أن ننهي هذه السنة في وضعية أسوأ من تلك التي يتوقعها قانون المالية التعديلي وسيكون الأمر كذلك في 2021 ولكن مع إضافة جديدة غير مسبوقة،نظرا لهلامية وعدم جدية خطة التمويل،فستكون البلاد عاجزة عن الإيفاء بكل تعهداتها مجتمعة وذلك بعد أشهر معدودة فقط من السنة القادمة ..ماذا سنفعل إذن ؟ نطلب إعادة جدولة الديون؟ نقلص من أجور الموظفين؟ نتخلى عن سياسة الدعم كلية؟ نلغي ميزانية التنمية؟ نفرض على البنك المركزي تمويلا إضافيا ؟
يبدو أن كل الحكومات التي تعاقبت على البلاد منذ 2011 كانت لا ترى حرجا في التوسع في الإنفاق اعتقادا منها أنها ستدفع بذلك إلى نمو إضافي فكانت النتيجة تفاقما في المديونية وهشاشة أكبر لمختلف منظوماتنا الإنتاجية ثم إذا أضفنا أزمة الكوفيد 19 الى كل ذلك وصلنا إلى نهاية مرحلة أحببنا ذلك أم كرهناه ولعلنا اليوم أمام آخر ميزانية تتوسع في الإنفاق العمومي ،وسوف نجد أنفسنا بعد أشهر قليلة مضطرين إلى تدابير تقشفية قاسية أو تداين بشروط مجحفة أو الاثنين معا فيما يبدو..
عندما نرى أن وزير المالية يقول ويكرر في كل مناسبة أن التداين لا يمثل مشكلة ما دامت للدولة ممتلكات وأراض ..نقول بأن الكارثة تسارع إلينا وأن اللحظة الزمنية التي تفصلنا عن عجز الدولة عن الإيفاء بكل تعهداتها تقترب دون ان نكون قد اعددنا العدة للتخفيف من حدتها ..
الجهد الذي لا نقوم به اليوم طواعية سنضطر غدا إلى أضعاف أضعافه دون أن نكون متأكدين من إيجابية النتائج ..
الأفضل للبلاد أن تناقش اليوم في إطار وطني جامع أفضل السبل لتقاسم التضحيات وللحد من تسارع الإنفاق العمومي والحد من الالتجاء إلى الاقتراض وان تنفق على وضع خطة واضحة نقترحها على شركائنا بداية بصندوق النقد قصد عقد اتفاق جديد معه عساه يكون الأخير دون مزايدات سياسوية ومع اتباع لغة الصراحة القصوى مع مواطنينا والإقدام الجدي على شراكات متنوعة بين القطاعين العام والخاص لخلق ديناميكية تنموية دون إنفاق عمومي جديد ..
الوضع ينبئ بانفجار قريب ،والمسؤولية في استباق الأزمات وفي وحدة الصف الوطني وفي شجاعة مواجهة المشاكل المتراكمة ..
الوقت محسوب لهذه البلاد ولنخبها قاطبة..