من المارّة حتى أن البعض منهم تصوّروا أن الواقعة تمثيلية نظرا لفضاعة المشهد ووحشية الهجوم.
بعد دقائق من الحدث المريع أقدم مقترفه على تبنّيه على الموقع الاجتماعي تويتر معللا جريمته الشنعاء بعرض الاستاذ المعدم رسما ساخرا للرسول محمد كان نشْرُهُ سببا في العملية الإرهابية التي تعرّضت إليها صحيفة شارلي إبدو الفرنسية منذ خمس سنوات مضت وأردف الوحش تَبنِّيه بنشر صورة للرأس المقطوع وكأنّه لم يكتف بشناعة فعله فتباهى علنا بما لا يمكن لانسان مكتمل المدارك العقلية حتّى أن يتصوره.
لم يكن من الصعب على قوات الأمن الفرنسية أن تتعرّف حالا على هوية المجرم فكان تدخلها آنيا وأسفر على تبادل إطلاق النار والقضاء على المجرم رميا بالرصاص.
هذه هي الرواية المجردة للحادثة الشنعاء. ومن هنا تهاطلت ردود الفعل تحت تأثير الصدمة النفسية والمشاعر المتفاقمة.
لم تخل ردود الفعل والتصريحات المتعددة من وصف العملية الاجرامية بالارهاب وربطها بالاسلام ونادت السلطات الفرنسية برفض فرنسا حكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا ومؤسسات كلّ أنواع الرجعية والظلامية وذكرت بقوة بالتزامها بعلوية القانون واحترامها لمبادئ حرية التفكير والتعبير والمعتقد ووقوفها القوي أمام كل محاولات جر المجتمع الفرنسي إلى الوراء.
وفي نفس الوقت ارتفعت أصوات فاعلة ومؤثرة في الفضاء الفكري والاعلامي الفرنسي ،من بينها ذكرا لا حصرا «الفيلسوف» المنحاز سياسيا برنار انري ليفي للخلط بين الجريمة والارهاب والإسلام والمناداة لكل وسائل الاعلام بنشر الرّسم السّاخر موضوع النزاع على صفحاتها الاولى «دعما لمبدإ حرية الاعلام» وفي تلك النداءات إثارة ورمي للزيت على النار بعيدا عمّا يحتاجه الوضع من رصانة وتهدئة للعواطف المتأججة وبحث عن سبل التّواصل والتعايش السلمي.
وما يزعج في خضم غوغاء هذه التدخلات والتصريحات هو غياب مواقف المفكرين العرب والمسلمين القاطنين بفرنسا وأوروبا ولكن ايضا غياب المواقف الرسمية للدول العربية والإسلامية ذات الجاليات الكبرى المرتكزة في أوروبا وكان من الواجب أن تعبر جميع هذه الأطراف بكل تلقائية ووضوح تام عن رفضها لكل أشكال العنف والارهاب والظلامية وان تدين بكل قوة مثل هذه الجرائم اللّا إنسانية وأن تجد العبارات الصادقة والصريحة للتعبير على تضامنها وتمسكها بالقيم العالمية للانسانية ورفضها للتلاعب بمشاعر المواطنين المنهكين اقتصاديا واجتماعيا والمتعبين من آثار الجائحة العالمية وتأثيراتها السلبية على المشاعر والصحة النفسية وأن تدعو إلى تهدئة الخواطر وتعميق الحوار الرصين بين الثقافات والحضارات مع تثمين مشتركها واحترام ما اختلف بينها.
وللأسف ترتفع في تونس أصوات تدّعي تمثيل الشعب لتفسير وتبرير المواقف اللا مقبولة والدعوة بضعيف التستر إلى تسليط أشدّ العقاب (موعزة بحلال الذبح) على كل من أساء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهي بتلك النداءات تؤجج الاحتقان بين الشعوب وتزرع المزيد من الكراهية والعنصرية وتخالف ما جاء به الدستور والقانون فتخضع لا ماحالة للفصل 31 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 والمتعلق بمكافحة الاٍرهاب وغسل الأموال.
ومن نكد الدنيا أن يسكت عدد من الجهات الرّسمية لتونس الثورة، تونس الحرية، تونس الديمقراطية، تونس المرهقة من آفة الإرهاب أمام هذه المواقف المشينة والرّاعية للإجرام والارهاب وكأنّها لا ترغب في فقدان ودّها وولائها إن لم تكن تشاطرها الرّأي والتحليل.
تأخرت المواقف إن لم تغب عسى ألّا يغيب القضاء وتطبيق القانون.