، و إثارة غضب و إستياء رئيس الجمهورية ،في أفق تصعب فيه الحلول.
لقد كان نيل هذه الثقة متوقعا إذ سبقت الإشارة إلى ذلك في افتتاحية 23 أوت 2020 حيث أكدنا على أن «هذه الثقة ستكون سهلة المنال لقناعة كل الأحزاب السياسية تقريبا،بأن الظرف لم يعد يسمح بتمطيط حالة شبه الفراغ الّذي تعيشه البلاد في ظروف إقتصادية صعبة جدّا، ولتخوّف الأحزاب الأكثر تمثلية في البرلمان من حل البرلمان و الدخول في إنتخابات جديدة لم يعودوا مالكين لمخرجاتها وغير متيقنين من ضمان نتائجها...»:
ولكن هذه الحكومة الّتي حازت الثقة لم تكن مصغّرة بالوجه الّذي كنا ننتظره ، كما لم تكن -كليا- ذات كفاءات أو من غير تأثيرات حزبية، بدليل أنه بمجرد الإعلان عنها، تعالت الأصوات لتجهر بأنها حكومة مطعمة بالولاءات و محكومة بالشروط و بالإملاءات. بل تحدّث رئيس حزب قلب تونس عن العدد المحتمل من الوزارات الّتي سيشملها التحوير منها وزارات فرضها رئيس الجمهورية حسب تصريحاته، وهو ما أكده أيضا أحد مستشاري الفخفاخ قولا بأن تصويت النهضة وأتباعها وقلب تونس كان متوقفا على شرط تعهد السيد المشيشي كتابة ،بإجراء تحوير في تشكيلة حكومته بعد تسلمه مقاليد الحكومة، مع الإشارة إلى أن ذلك قد يشمل سبع وزارات بالتمام و الكمال . هذا التعهد المسرّب حسب نفس المصدر ، يتعارض مع الشروط التي قبلها المشيشي من رئيس الجمهورية الّذي كلّفه بتشكيل الحكومة ، لذلك كذّب سعيد ما نسب له من قول بخصوص دعوة الأحزاب الماسكة بالأغلبية إلى عدم التصويت على حكومة المشيشي، وتوعّد الّذين «لا يستحقون إلا الاحتقار والازدراء» حسب تعبيره، واتّهم البعض بالخيانة، وكان ذلك يوم أداء أعضاء الحكومة الجديدة و رئيسها لليمين الدستورية أمامه.
هذه البداية الّتي استهلت بها الحكومة الجديدة مباشرة مهامها ،قد تحبط عزائم كل الوزراء لعدم معرفتهم بالمعنيين بالتحويرات المتحدّث عنها ،و هو ما يتطلب من المشيشي، الرد بوضوح على ما قيل لإنارة الرأي العام والّذين راهنوا على اختياره وطمأنة أعضاء حكومته و تبديد مخاوفهم وشحذ عزائمهم في مجابهة التحديات الّتي تنتظرهم . هذا الأمر يقتضي التوضيح خاصة بعد مبادرة رئيس الجمهورية بإستقباله أول أمس الجمعة 4 سبتمبر 2020 وزير العدل و هو أول لقاء بأحد أعضاء الحكومة الجديدة ، و تمحور اللقاء حول التأكيد على ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة وعلى ضرورة الضمان الكامل لاستقلالية القضاء،و هو ما أعتبر رسالة واضحة من رئيس الجمهورية لدعمه لهذا الوزير ولما ينوي القيام به في المستقبل.
فالمشيشي مطالب بكشف أوراقه ونواياه الحقيقية لمجابهة المرحلة المقبلة بعد مصارحة من يريد التعويل عليهم، لتنفيذ ما يخطّط له خاصة في التعامل السياسي مع الّذين يسوّقون «للتحكم» في مصيره وفي مستقبله، وكذلك وضع الجميع أمام مسؤولياتهم بخصوص الخطّة الّتي يريد رسمها لمجابهة الإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليستعيد التقبل الإيجابي له والذي كان عند تكليفه بتشكيل الحكومة.
إن أولوية الأولويات العاجلة الّتي تهم تونس رئاسة و حكومة و منظمات و أحزابا وشعبا، هي حل أزمة الطاقة والمناجم وتجاوز إشكالية الإنتاج في قطاعين حيويين لتوفير الموارد لخلاص أجور اليد العاملة ولضمان سلامة المؤسسات وبقائها، وكذلك للمساهمة بصفة فعالة في تجاوز الأزمة الإقتصادية للبلاد . ولا نذيع سرّا إذا قلنا أن النجاح في حل هذه الأزمة «المخجلة» سيحّقق كسبا شعبيا وسياسيا هامّا للطرف أوالأطراف الّتي ترسي حلا دائما لمعضلة تعطيل الإنتاج في أي ميدان كان، حيث ستستعيد الدولة بسط يدها على مصادر مواردها الحيوية و إدارتها.
هذا التحدي يجعل السلطة التنفيذية مقدمة على رهان سيكون لنتائجه أثر في مستقبل الماسكين بالسلطة ، لأن الآثار السلبية لتعطّل الإنتاج تقلل من شأن الدولة، و ترك الإنطباع في الداخل و الخارج ، بأن الدولة عاجزة عن إدارة شوؤنها . لذلك تقتضي متطلبات المرحلة القادمة تضافر كل الجهود لحل معضلتي الكامور والحوض المنجمي ، للمرور لخوض بقية التحديات ، لتجاوز أزمة الثقة المستفحلة منذ سنوات.