والاجتماعي والاقتصادي والثقافي خلنا أنّها ستغيّر في طريقة فهمنا للحياة وتحليلنا للظواهر والسلوك والتصوّرات و.. ولكن يبدو أنّ مقاومة التغيير لازالت مستمرّة وحنيننا «للثوابت» متأصّل.
فعن أيّ امرأة نتحدّث؟ هل هي «المرأة التونسيّة» التي اُريد لها أن تعكس مشروع الحداثة من منظور محدّد، رسمت معالمه إرادة السياسيّ بشكل أو بآخر ؟ وهل يكفي أن تهتمّ الواحدة بمظهرها وأناقتها وطريقة كلامها ومشيتها حتى تكون حداثية ؟ ألم تتحوّل عبارة ‹المرأة التونسيّة› إلى علامة تجاريّة Label نوظّفها في معاركنا السياسيّة والأيديولوجية في الداخل، ونستثمرها في الخارج، من أجل التموقع وتحقيق الإشباع النفسيّ وإظهار شيء من الاستعلاء على الأخريات؟ وهل يقتصر الاحتفال بعيد ‘المرأة التونسيّة’ على مؤتمر يعقد في فندق ضخم ليعرض الفريق الحكومي السياسات والخطابات الرسميّة الحبلى بمصطلحات صاغها المانحون وفق تصوّراتهم لما يجب أن نكون عليه؟ وهل يكون الاحتفال بمعايدة «حراير تونس» على الفايسبوك، ونشر صور الأموات والأحياء(بورقيبة، الحداد، منوبية الورتاني... ونشر صور «السيلفي»؟
يتعيّن علينا في غمرة انتشائنا بالمكتسبات والانجازات أن نتساءل: ماذا يعني عيد ‘المرأة التونسيّة « في نظر شرائح أخرى من التونسيات لا نكترث بهنّ كالعاملات الفلاحيات، والعاملات في البيوت، والبائعات المتجولات ، و«البرباشات» في الشوارع، وعاملات الجنس والسجينات والمريضات وغيرهنّ؟ هل تحتفل المكدودات والمنسيات والمغيّبات يوم 13 أوت بالعيد أم أنّه لا وقت لديهنّ للبحث عن المعاني والحقوق فهذا «ترف» تستمتع به الأخريات؟ هل منحنا هؤلاء الصوت ومكّناهنّ من التعبير عن ذواتهنّ أم أنّنا نستثنيهنّ من دائرة تفكيرنا لأنّهنّ لا يُشبهننا ولا يمكن أن يمثّلنّ «المرأة التونسيّة»؟
قد تردُّ فئة من النساء على عمليات الفرز والعزل والجدل حول التمثيليّة بعقد ندوات تعرض فيها النساء المنتميات للنهضة رؤيتهنّ لأنفسهنّ وأدوارهنّ وتصوّراتهنّ للحاضر والمستقبل. وما كان لهنّ أن يحتفلن بالعيد لولا مباركة الحزب وتمويله لحدث يخدم مرئيّته هو بالذات، ويؤكّد انصهاره في مشروع «التونسة» و«دعم حقوق النساء». ولكنّ هل أن «للأغلبيّة الصامتة» من النساء المكدودات قدرة على ردّ أم أنّهن لا يبالين بهذا الحدث مادام الواقع يزداد بؤسا لاسيما بعد أزمة الكورونا؟.
لم تتغيّر طريقة تفكيرنا في أشكال التفاعل مع رمزيّة 13 أوت بالنسبة إلى جميع التونسيات بلا استثناء، ولم نستطع أن نغيّر من نظرتنا للأخريات لأنّ الحدود التي تفرضها الأيديولوجيا، والطبقة، والسنّ، والدين، والعنصر، واللون وغيرها لازالت فاعلة في البنية الذهنيّة. و«لا يهمّنا» أن نعرف ماذا يعني «عيد المرأة» بالنسبة إلى التونسيات السوداوات، والأمازيغيات، والمسيحيات، واليهوديات، وغيرهنّ لأنّنا تعوّدنا على التمركز الذاتي، وتضخيم أنواتنا.
لم تفتح الجمعيات النسويّة والنسائية والمواطنية باب النقاش حول الأوضاع الراهنة الخاصّة بالفتيات والنساء بعيدا عن أجندا التمويل الغربيّ، وما تقتضيه من التزام ببراديغمات محدّدة، ولم تستطع أن تتفادى تحويل العمل النسائي إلى Busness، تستفيد منه باحثات أفدنّ من سياسات المناصرةlobbying على حساب الكفاءة والمشاركة، ولم تراجع هذه الجمعيات سياساتها وعلاقاتها بالأجيال الجديدة بعيدا عن منطق الهيمنة، وما تفرضه من تراتبية ومحاصصة، وتنازع حول السلطة، وعلاقات تسلطية...
لقد أثبتنا إفلاس الأحزاب وعدم استعدادها للحكم ولكن يبدو أنّ مساءلة المجتمع المدنيّ بعد هذه العشرية، وانتقاد عمل الجمعيات النسوية والنسائية، وبيان رفضها القيام بالمراجعات وتعديل البوصلة مهمّة صعبة لا يقدم عليها إلاّ الجسورون/ات. فأنّا لنا أن نغيّر طريقة عملنا المستقبلية لمواجهة التحديات، وأوّلها استشراء كلّ أشكال العنف، ونحن لم نحرّر معارفنا Décoloniser les savoirs ولم نفكّ ارتهاننا بالماضي الاستعماري، ولم نحرّر الحركة النسويّة! Décoloniser les féminismes
وفي انتظار أن نفكّر بطريقة إدماجيّة لا تترك أيّة امرأة خارج دائرة اهتمامنا ،وأن فرض الانتقال من عيد «المرأة التونسية» إلى «عيد التونسيات» أرجو من الجميع التفكير في رمزيّة العيد بالنسبة إلى جميع التونسيات دون تمييز أو فرز، وعلى قاعدة المواطنية.