و لكن سيبقى للنتائج المسجلة وقع في الحياة البرلمانية و السياسية .
و كما توقعنا في المقال التحليلي يوم الجلسة العامة فإن التصويت على سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب ، لم يكن فقط بالتصويت بـ -نعم - الصريحة أو -لا – «الجازمة «، اللّتين ينطق بأحدهما كل من كانت له رؤية واضحة و ثوابت و قناعات راسخة في سلامة سياسة هذا أو ذاك ، بل، تخلّل ذلك التصويت بالغياب أو بالأوراق البيضاء أو بالاحتفاظ بالصوت ،و هي تصاريح تعني في النهاية - لا - الّتي سعت إليها حركة النهضة و مؤيدوها . هذه التصاريح كانت أصوات (المتخفين - المكشوفين )الّذين لم تكن لهم الشجاعة بالإصداع بآرائهم على الملإ ليُطلعوا ناخبيهم على حقيقة مواقفهم في محاولة لإستبلاههم والضحك على ذقونهم.
لقد تابع المواطنون كامل ردهات هذه «المسرحية « سيئة الإخراج ، و عاينوا بدعا جديدة في تطبيق النظام الدّاخلي لمجلس نواب الشعب ، بدءا بالدخول مباشرة في عملية التصويت دون تلاوة لائحة سحب الثقة، وتطبيق مبدإ السرية في التصويت تسمية ولكنه تصويت علني في الحقيقة ، وكيفية إجراء التصويت بتمكين النائب من ورقة التصويت و السماح له بمغادرة القاعة ثم الرجوع (إن رجع )و وضع ورقته و ربما أكثر لصعوبة مراقبة عدد الأوراق ، و طريقة تسيير الجلسة برأسين نهاية بنقاط النظام الّتي لا صلة لها بالنظام... إلخ.
لم تُسحب الثقة إذن من راشد الغنوشي و فرح أتباعه و مؤيدوه و المُبوّبون كحلفاء ظرفيين معه ، بإنقسام سيُكرّس داخل مجلس نواب الشعب بعد أن صوّت 97 نائبا مع لائحة سحب الثقة ، و هو ما سيجعل رئيس المجلس يواجه في الجلسات العامة و في كل المداولات حوالي 45 % من عدد النواب غير القابلين بوجوده على رأس المجلس و لما لذلك من تبعات.
هذه الوضعية غير مريحة لرئيس المجلس ولا تساعد على إدارة الأعمال بالسلاسة المطلوبة ، مما سيتسبّبُ في عدّة تعطيلات ومشاحنات قد تُعيد سناريو تقديم لائحة سحب ثقة ثانية في سبتمبر المقبل .
إن الوضعية الجديدة لرئيس المجلس ستزيد الأوضاع تعقيدا ، لذلك تتكرّر دعوته إلى الإستقالة بصورة واضحة من معارضيه من بقية الاحزاب ومن التشكيلات السياسية، وبصورة ضمنية من بعض مخالفيه في الرأي من داخل حزبه و من حزب قلب تونس بالخصوص.
لذلك يمكن القول بأن بقاء مواقف حركة النهضة و مؤيديها من إئتلاف الكرامة أو من قلب تونس ،في تباين مع بقية الكتل ، سيجعل تونس محكومة بسلطات غير مستقرة في التشريعية من جهة ،و من جهة أخرى ،متنافرة و في حالة صدامية بين هذه الأخيرة و هرم السلطة التنفيذية ،بسبب التنازع في الصلاحيات و في ممارسة النفوذ في الدولة، و رغبة حركة النهضة في مزيد التغول مع المحافظة على ما حازته من الفترة السابقة من نفوذ بسب التسيّب و استضعاف الدولة أو جراء ما كسبته من التوافق المغشوش .
من هنا يتراءى لنا أن الوضع السياسي العام في البلاد في المرحلة القادمة غير واضح المعالم . فالوضع البرلماني يجذب إلى الأسفل و ينزل بكل قتامته على المناخ السياسي العام، الأمر سيجعل رئيس الحكومة المكلف السيد هشام المشيشي الّذي بدأ اتصالاته لجس نبض كل القوى الفاعلة في الساحة السياسية والإجتماعية ، في وضع لا يحسد عليه . لذلك تشكل عمليات سبر مختلف التصورات والتقييمات لدى مختلف الأطراف ، أهمية قصوى لتحديد الوصفات المقترحة لتجاوز أزمة البلاد. ولعلّ السيد هشام المشيشي بصدد وضع التعديلات الأخيرة لما هو عازم عليه لتشكيل الحكومة الجديدة الّتي يعتقد أنها ستكون قادرة على مجابهة التحديات الّتي تنتظر البلاد في المرحلة القادمة .
ولا شك أن التقبل الإيجابي لتكليف المشيشي ، سيزيد في ثقل المسؤولية الّتي ستُلقى على عاتقه إذا حظيت إختياراته بالقبول و لم تُوقف عند عتبة نيل الثقة ،الّتي ستكون محطّة أخرى للتجاذب و ربّما لفرض الخيار الّذي تخشاه كل الأحزاب المتمثل في حل البرلمان و التوجه إلى انتخابات سابقة لأوانها.