على إبداء تصوّراتهم لما حدث وما سيؤل إليه الأمر في جلسة 30 جويلية. وليست أسباب اهتمام هذه الجهات بالأزمة السياسيّة التونسية واحدة فثمّة من ينتظر موعد سقوط «الأنموذج التونسيّ الاستثنائي» ليثبت أمام الجميع وجاهة رأيه وتحفّظه على «الثورات العربية»، وهناك من تدفعه مصالحه إلى إعادة قراءة المشهد التونسيّ في ضوء التحوّلات الأخيرة، ليبادر بترتيب علاقاته الدوليّة وسياساته، وثمّة من يبني نظريات حول واقع الديمقراطية الناشئة في» شمال إفريقيا» ليدعم التوجه الكولنيالي الذي يقيم الدليل على أنّ الشعوب التي تحرّرت من الاستعمار ثمّ من الاستبداد تظلّ في نهاية الأمر، «تابعة» غير قادرة على إثبات ذاتها لأنّها ألفت تسليم الزمام للآخر ليتولى تقرير مصيرها نيابة عنها . وبين هذه المواقف وتلك مواقف أخرى معلنة أو مضمرة تلح على أن المشهد السياسي صار متغيرا مع وجود نظام حكم مقسّم والعديد من الوجوه الجديدة التي لا تفقه معنى السياسة.وما كان لهذه الجهات الخارجيّة أن تهتمّ بالتجربة التونسيّة، وتوظّف إعلامها للتدخّل في شؤوننا الداخليّة لولا نجاح الفاعلين السياسيين القدامى والجدد في تشويه التجربة التونسية، وتحويلها من أنموذج ملفت للنظر وحريّ بالدراسة إلى موضوع للتندّر والسخريّة أو الشماتة أو الاستغراب أو الصدمة والتحسّر...
وتتحمّل مختلف الأحزاب بالدرجة الأولى، مسؤولية ما يحدث باعتبار أنّها لم تكن قادرة على طيّ صفحة الماضي، وقراءة المشهد في كلّ أبعاده المعقّدة وترتيب الأولويات :نسب مرتفعة للبطالة، وللانقطاع عن التمدرس، وتضاعف أعداد المنتحرين، وارتفاع معدّل الجريمة، وكثرة المقبلين والمقبلات على الهجرة غير النظامية بما في ذلك الحيوانات فضلا عن عدم القدرة على ممارسة السياسية واستخلاص الدروس من التجارب السابقة. ولذلك لم يكن المنضوون تحت مختلف الأحزاب مستعدّين «للتعايش» مع بعضهم البعض، والتفاوض وفق ما يمليه الواقع المتحوّل : ما قبل انتخابات 2019 وما بعدها ، ما قبل الجائحة وما بعدها، من شروط جديدة فرضتها الأزمات الاقتصادية المتتالية، وتردّي مستوى تقديم الخدمات في مختلف القطاعات، وتفشّي الفساد، وغيرها من المشاكل. وهكذا لم يكن المواطن/ة في مركز الاهتمام، وخاصّة الفئات الهشّة التي ما عادت تتحمّل البؤس والذلّ بل ظلّ الرهان الأكبر: طرق الاستحواذ على السلطة والغنيمة وفق قاعدة الأغلبية والأقلية تارة، وتحيّن الفرص طورا آخر.
ولا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ ما حام من إشكاليات بخصوص تضارب المصالح وتموقع رئيس الحكومة يثبت بما لا يدع مجالا للشكّ أّنّ منطق الغنيمة ترسّخ لدى أغلبهم ذلك أنّ ممارسة الحكم منذ 2011، سمحت لهؤلاء بالاطلاع على كلّ المعطيات التي كانت غائبة عنهم، وحين تنكشف أسرار الدولة تغدو مواطن الكسب السريع مرئية. فمن ذا الذّي يصمد أمام فتنة الإثراء السريع؟ ومن ذا الذي بإمكانه أن يعطّل العقل الغنائمي؟ وعندما يتضاعف عدد المؤهلين لتولّي زمام الحكم ، والمخوّلين لفتح بيت» عليّ بابا’يكثر التنافس فيكون التباغض والتهديد وتكثر المؤامرات، والدسائس وتغدو لعبة الملفات: تكوينا وإخفاء وتهديدا وكشفا...اللعبة المميّزة. فهل نحن أمام سياسيين من الطراز العالي يمارسون فنّ السياسية فيبهروننا بأداء مميّز تخلّده الذاكرة أم أنّنا إزاء مقتنصين للفرص، ومتمرّسين بقواعد اللعب تمجّهم النفوس والعقول؟
إنّ تشظّي المشهد وأزمة ممارسة السياسة وأداء السياسيين، وغياب البرامج والتقصير في مواجهة التحديات الحقيقية فضح المستور وأخرج ما كان يعدّ شأنا داخليا إلى العلن لتتحوّل بلادنا إلى بؤرة للتحديق كلّ يحمل نظّارته ليمارس التمحيص والاستقراء والتشخيص ...ويصل إلى استنتاجات تحفّزنا على مزيد التأمّل في وضعنا لنكتشف أنّنا كنّا مع حزب واحد بمرجعيّة إسلامية فصرنا أمام حزبين، كنّا مع كتلتين تتناظران: الإسلاميون «المعتدلون» وأتباعهم في مقابل «الحداثيين، التقدميين.. فإذا بنا أمام «رحالة انتهازيين» لا يعوّل عليهم، وأمام قوّة جديدة مناهضة للتوافق، و«التطبيع مع الإخوان» ولم يكن هذا المرور من الاستقطاب الثنائي المحيّد بالتوافق إلى التعدّد السياسيّ يسيرا. وبما أنّ التمكين يتطلّب مناخا مستقرّا فإنّ المواجهة العنيفة صارت أمرا مقضيا. فهل يستيقظ المجتمع المدني من سباته لينهض بدوره التقويمي أم «بلغ السيلُ الزُبى»؟
التجربة التونسيّة في بؤرة التحديق
- بقلم امال قرامي
- 10:07 29/07/2020
- 1889 عدد المشاهدات
تُتابع عدّة دول عربيّة وغربيّة التجربة التونسيّة بكلّ اهتمام، وترصد مختلف وسائل الإعلام مظاهر الأزمة السياسيّة ويتهافت «المحلّلون»