ثاني إغتيال سياسي في مرحلة تم إدراجها ضمن بداية بناء الديمقراطية الناشئة، ورحيل أول رئيس منتخب في ظل دستور جديد مؤسس للجمهورية الثانية و كذلك تكليف ثاني شخصية أقدر من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد فشل حركة النهضة وحلفائها في تمرير مرشحها الحبيب الجملي إثر حصولها على المرتبة الأولى في إنتخابات 2019.
لذلك إسترعى يوم أمس اهتمام المؤرخين والمحللين السياسيين والتشكيلات السياسية والحزبية والنخب والإعلام، ردهات كامل اليوم كل في مجاله و إنتظاراته، في الحديث عن هذا البلد الّذي يُجمع الجميع على أنه يعيش مرحلة صعبة على كل الأصعدة، وتشكل فيها الأيام القادمة رهانا هامّا للمستقبل القريب والبعيد.
ففضلا على ما ينتظره التونسيون بخصوص مخرجات تثبيت الثقة في رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي الخريجي أو سحبها منه ، - و هي مسألة ستكون لها تبعات سياسية في مرحلة تشكيل الحكومة - فإن تكليف السيد هشام المشيشي بتشكيل الحكومة الثالثة المنبثقة عن إنتخابات 2019، سيكون محط أنظار المجتمع السياسي، الّذي مازال يعيش على وقع فيروس كوفيد 19 وآثارها وعلى وقع التناحر السياسي الّذي يشهده البرلمان والساحة السياسية وتوتر المناخ الإجتماعي.
في هذا المناخ العام تلقى رئيس الجمهورية قيس سعيد مقترحات الأحزاب والكتل البرلمانية دون أن نشهد نفس الزخم الإعلامي أو اهتمام الرأي العام الّذي شهدته تونس في الحكومتين السابقتين. ولكن بدا الجو مشحونا في أعلى الهرم ، إذ ركّز رئيس الجمهورية في تصريحات متواترة، على التحديات العسكرية والأمنية وعلى حماية مكتسبات الدولة و مؤسساتها ، الأمر الّذي جعل المحللين يتوقعون تسمية شخصية ذات معرفة بشؤون الإدارة العسكرية والأمنية، وقد انتهى الحسم باختيار من رآه الأقدر أو الأنسب على قيادة الحكومة في المرحلة المقبلة. ولعل وراء إختيار رئيس الجمهورية، حصول قناعة لديه بأن التحديات المنتظرة تتطلب الأمن والأمان و الإستقرار وحماية تونس من الإنتهاكات و كل المخاطر والأطماع في الداخل و كذلك من الخارج . لذلك يكون تكليف العارف بهذه الأمور بحكم موقعه يضمن حسن اختيار أعضاء الحكومة ويتيح الوقاية من الإختراقات والتجاوزات .
هذه الحكومة لن تكون سهلة التشكل بحكم أن تركيبتها ستكون خاضعة لحسابات نيل الثقة من نواب الشعب ، ممّا سيجعل رئيس الحكومة المكلف ، أمام خيارات صعبة ومسكونا بهاجس التصويت على نيل ثقة مجلس نواب الشعب، وبالتالي سيكون مجبرا على الأخذ بعين الاعتبار ما تنتظره مختلف الكتل ، خاصة إذا إتجهت جميعها إلى طلب نيل «حصتها» في الحكومة طبق تمثيليتها في البرلمان ولم يقع تقبل كفاءات مشهود لها بالإستقلالية والنزاهة.
ولكن إدراك مختلف الكتل بأن التشبث بحصة لها في الحكومة محفوف بخطر حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، مما سيجعلها تتوخى الحذر، لتكون مواقفها متميّزة بالمرونة عند التشاور في تسمية الوزراء. وإذا حصل هذا فإن ذلك سيخفّف من الضغط على رئيس الحكومة المكلف، خاصّة إذا حدّد لإختياراته معايير «علمية» مقنعة، ووضع في مقدمتها معيار تقبل العمل على تنفيذ برنامج حكومي واضح المعالم والأهداف في مختلف المجالات، ضمن تشكيلة مصغّرة متفقة على الأولويات الحارقة لإنقاذ البلاد ، بإرادة وطنية صادقة و بنظرة إستشرافية ثابتة تتسم بخدمة المصلحة الوطنية بعزم وحزم لإستعادة ثقة المواطنين في دولة يسودها القانون و العدل، و قادرة على توفير متطلبات العيش الكريم والتقدم الاجتماعي.
ولكن رغم التوقع بعدم تقبل مختلف التشكيلات البرلمانية للذهاب إلى إنتخابات سابقة لأوانها ، فإن ما تمّ تسجيله من مواقف سياسة الهروب إلى الأمام لدى مختلف الأطراف السياسية تقريبا، وما حصل من تجاذبات بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب والمواقف المتباينة الّتي تم التعبير عنها بالإشارة والتلميح وبالعربي الفصيح، وكذلك منحى الإستقلالية الّذي قد يتوخاه رئيس الحكومة المكلف في تشكيل الحكومة، كلها مؤشرات لا نستبعد معها إمكانية حل البرلمان وذلك خيار باهظ الثمن اقتصاديا وغير معلوم العواقب للجميع.
كل هذا يقودنا إلى القول بأن مهام رئيس الحكومة المكلف لن تكون سهلة و أن ما ينتظره سيكون بمثابة السير على أرض ملغمّة يحتاج فيها إلى آليات مستحدثة خارقة للعادة لتجنب كل المخاطر...
بعد تكليف السيد هشام المشيشي: هل من مكان للأمل ؟
- بقلم المنجي الغريبي
- 12:22 27/07/2020
- 1597 عدد المشاهدات
اقترن يوم أمس الخامس والعشرون من شهر جويلية بمحطات تاريخية فارقة في تاريخ تونس، فهو يوم إعلان الجمهورية نظاما بديلا للمُلُكية و تسجيل