عن جرائمها في فترة الاستعمار المباشر وبعده.. وبعد أن كان الهدف «كشف» من يصطف وراء المحور التركي القطري ها نحن قد مررنا إلى محاولة «كشف» عملاء فرنسا اليوم وبالأمس كذلك ..
سوف لن نتحدث عن عمليات التوظيف السياسوي لكل هذه اللوائح والتي ستليها على امتداد كامل هذه العهدة النيابية .. سوف نتحدث فقط عن الطريقة التي يستحضر بها بعضهم تاريخ الحركة الوطنية وحقيقة الهوية التونسية وسعيهم المحموم لـ«الفرز» التاريخي بين «الثوار» و«الصبايحية».
هل يجادل أحد في كون الاستعمار جريمة نكراء في حق الإنسانية ؟ وهل يتساوى الاستعمار الحديث مع كل أشكال الهيمنة القديمة؟ لا نعتقد أنه يمكن المساواة بين كل الإمبراطوريات التوسعية ما قبل الحديثة (بما في ذلك الخلافة الإسلامية زمن قوتها ) رغم وجود عناصر كبيرة من التشابه من احتلال عسكري وكسر إرادة الشعوب واستغلال الخيرات بصيغ مختلفة ولكن الاستعمار الحديث أعمق بكثير من كل مراحل الاحتلال التي سبقته وسخرت له إمكانيات عسكرية وتقنية لا نظير لها في تاريخ البشرية وتم احتلال جلّ دول العالم من قبل الإمبراطوريات الاستعمارية وتقاسم مناطق النفوذ وإبادة بعض الشعوب ومجازر واستغلال نسقي لثوراتها الطبيعية والبشرية.
إن مطالبة الدولة الاستعمارية – فرنسا في وضعية الحال – بالاعتذار مسألة مشروعة ومعقولة، بل ومطلوبة أيضا ولكن شرط ألا تكون مناورة سياسوية لمجموعات متطرفة هدفها الوحيد إيجاد فرز وهمي بين من يعتبرنهم الصبايحية والثوار .. خاصة عندما نعلم أن أبرز واهم قيادات الحركة الوطنية وبناة الدولة التونسية هم عند هؤلاء من «الصبايحية».
الرهان يوم أمس لائتلاف الكرامة ولبعض النواب كراميي التفكير وان كانوا في مواقع حزبية مختلفة كان في زعمهم كشف» الصبايحية» لا التعبير عن موقف وطني عام مناهض للاستعمار .
لعل السؤال الأهم هو هل أن مجلس نواب الشعب هو الإطار الأمثل لتقييم تاريخ تونس الحديث والمعاصر؟ هل انتخبنا نوابا ليحسموا في خلافات الحركة الوطنية؟ وهل انتخبناهم ليقولوا لنا ما هي حقيقة الاستعمار ومن كانوا يناضلون ضده – بوسائل مختلفة – ومن كانوا خدمته وسدنته ؟
في رأينا الموقف السياسي الأدق والأعمق كان ذلك الذي عجز عنه يوم أول أمس في تدوينة له رئيس الحكومة الأسبق والقيادي النهضاوي البارز علي العريض عندما أكد على جرائم الاستعمار ثم قال: «إن طرح هذه المسالة اليوم وفي هذه المناخات والأوضاع الوطنية التونسية – الفرنسية – ودون اي تنسيق واتفاق بين أهم مؤسسات الدولة – وحتى المجتمع المدني – ودون إعداد قانوني وتقدير سياسي سليم لا أتوقع أن ينتج عنه غير الإضرار بمصالح تونس والتونسيين وعلاقتنا مع الدولة والمجتمع الفرنسي والزج بهذه العلاقات المتعددة الأوجه في أقوى المزايدات والتشويش».
وما يؤكد بأننا أمام محاولة بائسة لتحريف غير مباشر لتاريخ تونس ولتاريخ الحركة الوطنية إغفال لائحة تتحدث عن الاستعمار منجز الحركة الوطنية المتمثل في الاستقلال وزعامة الحبيب بورقيبة قائدها بلا منازع وذلك ايا كان تقييمنا للعقود الثلاثة لحكمه .. ان انكار حقيقة الحركة الوطنية والدور الريادي للحبيب بورقيبة ابانها ثم الثورة الاصلاحية الكبرى التي قام بها رغم ما شابها من حكم فردي ومن عبادة الشخصية والمحاكمات السياسية بعذاباتها وسجونها ..ولكن كل ذلك موضعه ليس مجلس نواب الشعب ولائحة يصادق عليها ( أولا لا ندري ) لاعتبارات سياسوية ولتصفية حسابات اليوم وتقزيم الحركة الوطنية ومكتسبات الدولة الحديثة التي تأسست على كل هذا الزخم.
ثم كيف يقول بعضهم أن السياسة الخارجية هي اختصاص حصري لرئيس الدولة ثم نريد احراجه بموقف سياسي لا نخال أنه قابل به وراغب فيه.
يبدو أن البرلمان وعلى امتداد كامل هذه العهدة وبواسطة هذه «اللوائح» سيكون مرتعا لصراعات عقائدية الهدف منها حشر الخصم في الزاوية وجلب المزيد من الأنصار وحشدهم ليوم «الحسم» .
نحن ضد تقديس الأشخاص والتجارب ونعتقد أن أخطاء بورقيبة كثيرة ولكن هل يمكننا إنكار أن بصمته اليوم هي الأقوى والأدوم في البلاد والعقليات.