من الحياة السياسية او مسك بخيوط اللعبة من جديد من بوابة قصر باردو ؟ المهم على كل حال أن النتيجة كانت تعميق الاستقطاب الثنائي بصفة أسوأ واخطر مما كان عليه الأمر زمن الترويكا .
والملاحظ أيضا أن راشد الغنوشي لا يريد أن يقنع بما يوفره له منصب رئاسة المجلس بل يريد – مدفوعا في ذلك من قبل دوائره المقربة العائلية والحزبية –أن يلعب الدور الأول في البلاد وان يكون فقط الرئيس ، لا رئيس مجلس نواب الشعب.
لا ريب لدينا أن جل القيادات النهضوية تدرك الآن قبل غيرها أن سلوكيات راشد الغنوشي وأخطائه المتعمدة والمتكررة وطنيا وإقليميا ستعمق عزلة الحركة وقياداتها وان ثمنها الانتخابي سيكون باهضا للغاية. ولكن هذه العزلة وهذا الاستهداف المستمر لزعيم النهضة لا يوفران بدورهما الشروط المقبولة لاحتجاج نهضوي داخلي قوي على الأقل في الظرف الراهن..
وما يزيد في تعقيد المشهد تصرف راشد الغنوشي كالطريدة المجروحة والتي تسعى للحمل على كل خصومها كلفها ذلك ما كلفها. إذ اختار مباشرة بعد هزيمته أمام عبير موسي ولائحتها حول التدخل الأجنبي في ليبيا أن يحول الصراع الدائر في مجلس نواب الشعب إلى أزمة حكومية جديدة ، واختار لذلك ، مرة أخرى قناة نسمة ليطلق نيرانه على حكومة الياس الفخفاخ بعد أن فعل نفس الشيء ضد حكومة يوسف الشاهد ذات مساء في غرة أوت 2017 في سيناريو لا يبتعد كثيرا في جوهره في المناسبتين: السعي للإطاحة بحكومة له فيها حضور محترم من اجل تحالفات تبدو غريبة في ظاهرها فقط : مع حافظ قائد السبسي في 2017 ومع نبيل القروي في 2020 ولكن نرجح وجود دافع نفسي جديد وهو السعي للانتقام لنفسه مما يعتبره طعنة الحلفاء الغادرين الذين يتسابقون على لعب دور بريتيس (Brutus) لطعن سيزار (César) العصر: راشد الغنوشي.
ولكن الغريب في هذا التصرف أننا لسنا أمام إستراتيجية فيها الحد الأدنى من العقلانية إذ أن المطالبة بتوسيع دائرة الحكم اليوم هي دعوة عدمية خاصة اذا كان المراد منها فرض الأمر الواقع على رئيس الحكومة،فما معنى مواصلة إطلاق النار المتبادل مع تحيا تونس وحركة الشعب والمطالبة بالتوسيع في نفس الوقت أي إضافة حزب قلب تونس إلى ائتلاف حكومي سيتصدع قبل ذلك ؟
إن المتابع يوم أمس لحوار رئيس النهضة على قناة نسمة قد يتفهم عمق الجرح النفسي لـ«الشيخ» ولكن سياسته تهدف فقط إلى إضعاف حكومة تمثل فيها حركة النهضة الحزب الأكثر وزنا، وهذا الإضعاف قد يؤذي بالأساس رئيس الحكومة لا الحزبين الخصمين ولا يسمح كذلك بإيجاد مخرج سياسي للبلاد بل يضع المؤسستين التنفيذية والتشريعية على كف عفريت دون أن تكون هنالك حظوظ جدية للغنوشي وللنهضة من ورائه لتسجيل نقاط سياسية ذات قيمة، وكأننا بالغنوشي يقول اليوم «علي وعلى أعدائي» أي وكأنه يسارع لتمهيد الطريق لأهم خصمين له في الحياة السياسية: عبير موسي من جهة وقيس سعيد من جهة أخرى ..
نذكر جميعا الثمن الباهض الذي دفعته البلاد جراء أزمة الحكم خلال النصف الثاني للعهدة النيابية السابقة.. والآن يبدو أن النهضة تريد دفع البلاد إلى أزمة سياسية ومؤسساتية ونحن في بداية عهدة انتخابية، ولو لا جائحة الكورونا لكانت الأزمة مستمرة بل انقطاع منذ سقوط حكومة الجملي.
اليوم والبلاد تغلق بتميز واضح قوسي الكورونا تجد نفسها مباشرة أمام استقطاب إيديولوجي حاد وان أزمة متفاقمة داخل مجلس النواب ورغبة ملحة لتصديرها إلى الحكومة والسعي إلى هرسلتها من قبل الحزب الأكبر وزنا فيها ..انه عالم كفكاوي عبثي..
والآن سننتظر ردة فعل رئيس الحكومة، هل سيلجأ الى الانكماش والانتظار والحذر أم سيستغل هذا الاضطراب السياسي الواضح داخل حزامه السياسي إلى التقدم ورسم هجومي لمنطقة نفوذه وإجبار الآخرين، كل الآخرين، على التموقع حول مقترحاته وبرامجه.
شهر جوان سيكون فعلا شهرا ساخنا ومحددا لأبعد الحدود ..
في سعيه للخروج من عزلته السياسية: الغنوشي والمحاولات المستمرة لخلط الأوراق
- بقلم زياد كريشان
- 10:55 09/06/2020
- 2627 عدد المشاهدات
لسنا ندري ما كانت النوايا الحقيقية لراشد الغنوشي وللقيادة النهضوية في إستراتيجية الوصول إلى رئاسة مجلس نواب الشعب ،خروج ذهبي