في الصراعات السياسية التي تشهدها البلاد وحتى أزمة الكورونا لم تكن كافية للحدّ منها ولكن صراعات النهضة مع خصومها وحتى «حلفائها» لم تمكن من اخفاء الصراعات الكبيرة التي تشق الحركة الاسلامية منذ مؤتمرها العاشر في 2016 وقد عادت الآن بقوة خاصة وأن الحركة الاسلامية تستعد لمؤتمرها الحادي عشر، مؤتمر ليس كبقية المؤتمرات لأنه سيشهد - نظريا على الأقل - مغادرة الرئيس المؤسس راشد الغنوشي لدفة القيادة.. هذا لو تمّ الالتزام بالنظام الداخلي لحركة النهضة...
فالصراع كبير الآن على خلافة الغنوشي بين كل الذين يعتقدون أنه بامكانهم أخذ المشعل من جهة وبين جزء آخر يخشى «الفراغ» أو يخشى من طموح الطامحين للخلافة ويعمل جاهدا لتنقيح النظام الداخلي والتمديد لولاية جديدة للغنوشي وتأجيل الصراع المنتظر بين كل الطامحين الى الخلافة إلى المؤتمر الثاني عشر في سنة 2024.. أي بعد الخروج النهائي (؟) للغنوشي من الحياة السياسية للبلاد ولحزبه أيضا.
الجديد في هذا الصراع دخول مجموعة جديدة على الخط تسمي نفسها «مجموعة الوحدة والتجديد» وتتكون من جملة من قيادات أساسية في النهضة كعبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى ونور الدين العرباوي مسؤول المكتب السياسي ومحسن النويشي مسؤول مكتب الانتخابات وآخرين ويضاف إليهم خاصة صهر رئيس الحركة وأحد أهم المقربين له رفيق عبد السلام مسؤول مكتب العلاقات الخارجية.
وقد أصدرت هذه المجموعة نصا داخليا قوامه الإشادة بـ «الدور الريادي لحركة النهضة ولزعيمها راشد الغنوشي» وكذلك «تحقيق الانتقال القيادي» وقد وضعت هذه المجموعة نفسها بين «طرفين».. يدعو الأول الى انجاز الانتقال القيادي وان كان ذلك رغم أنف راشد الغنوشي ذاته وثان يتمسك بالغنوشي الى الأبد.. أما «مجموعة الوحدة والتجديد» فهي تريد انجاز مؤتمر قبل موفى هذه السنة وتحقيق الانتقال القيادي برعاية ومباركة من الغنوشي نفسه أي ما نسميه «المرافقة الفاعلة للوضع القيادي الجديد بعد المؤتمر الحادي عشر» كما تحرص هذه المجموعة «على نجاح مهمته (الغنوشي) على رأس مجلس نواب الشعب مستقبلا».
بعبارة أخرى تقدم هذه المجموعة نفسها كالضامن الأساسي لتجديد قيادي ينسجم مع اختيارات رئيس الحركة ويستمر في الانصياع له وتأييده داخل التنظيم وخارجه، بل ويعمل على إنجاح المهام السياسية العامة لراشد الغنوشي اليوم كرئيس لمجلس نواب الشعب وغدا.. كمرشح .. «طبيعي» للانتخابات الرئاسية مثلا.. أي تجديد قيادي يضمن استمرار حكم راشد الغنوشي داخل النهضة ولكن بصفة غير مباشرة هذه المرة..
ويبدو أن مجموعة «الوحدة والتجديد» قد أرادت أن تقرن النظري بالعملي أي القيادة الجديدة الفعلية القادرة على ضمان هذا الولاء للرئيس المؤسس ومن أفضل لهذا الدور من رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني الذي لم يٌعرف له منذ عشر سنوات - وربما أكثر من ذلك لا ندري - أي شقّ لعصا الطاعة أو انخراط في احتجاج ما على غرار أبناء جيله كعبد اللطيف المكي أو عبد الحميد الجلاصي.. وإن لم يكن ولاء الهاروني كافيا لطمأنة «الشيخ» فها هو صهره رفيق عبد السلام الذي سيضمن الولاء الشخصي والسياسي للقيادة الجديدة التي ستحظى بتزكية من الرئيس المؤسس..
كل هذا قد يدفعنا الى الاعتقاد بأن هذه المبادرة قد تكون قد حظيت بموافقة مسبقة من راشد الغنوشي نفسه وأنه قد يكون بارك المبادرة والتسمية والنص و«القيادة» المؤقتة كذلك أي أننا في النهاية أمام «مسرحية» من تأليف واخراج راشد الغنوشي ذاته...
قد يكون هذا كما أننا لا نستبعد أن قيادات الصف الأول الممضية على هذا النص تبحث أيضا لنفسها عن مستقبل داخل النهضة بعد الغنوشي وأنها أرادت أن تبادر حتى تنكشف كل الأوراق لمختلف الطامحين لـ «خلافة» الغنوشي.
ولكن يمكن أن نرى في «مجموعة الوحدة والتجديد» ورقة اضافية في يد راشد الغنوشي يمكن أن نوصفها كالتالي: إما أنا أو الثنائي الهاروني وعبد السلام! وعندها قد يصطف عدد من الغاضبين على الغنوشي وراء الرئيس المؤسس فقط لقطع الطريق أمام هذا الثنائي الطامح لخلافة على «خطّ الشيخ» وهكذا قد يضطر الفريق الرافض للتمديد ولتنقيح النظام الداخلي إلى التراجع إلى الوراء والقبول بولاية نهضوية جديدة للغنوشي ثم حسم «الخلافة» نهائيا في المؤتمر الثاني عشر لسنة 2024.
في كل الحالات سنة 2020 ستكون صعبة للغاية على سدنة البيت النهضاوي.