حكومية تتناحر داخلها وأغلبية برلمانية تجمعها مصالح مختلفة.. وأحزاب ومنظمات مع رئيس الجمهورية وأحزاب ضدّ كامل منظومة الحكم برمتها..
والسؤال الساذج أمام هذا المشهد السريالي المتجلي أمام أعيننا: ما هي عقلانية التحالفات أو الخلافات والخصومات في بلادنا وعلى ماذا تلتقي الأحزاب والجهات السياسية الوازنة وعلى ماذا تختلف وتتصارع؟
لننطلق من الراهن ومن محاولة رئيس الحكومة إيجاد ميثاق بين مختلف أحزاب حزامه السياسي تحت عنوان «عهد التضامن والاستقرار».
بعد التذكير بجملة من المبادئ العامة كـ«عزوف الناس عن الشأن العام» بحكم «انخراط الطبقة السياسية في صراعات جانبية» وخوفها من الصراعات السياسية مع «محدودية المنجز» الاقتصادي والاجتماعي، يدعو هذا المشروع إلى جملة من التعهدات أساسها الابتعاد عن التراشق المتبادل والتضامن الصادق بين مختلف مكونات التحالف الحكومي.
وفي مقابل هذا الجهد للحد من الخلافات الداخلية نرى بداية ما يمكن أن نسميه بجبهة سياسية اجتماعية حول رئيس الجمهورية ينخرط فيها الآن بوضوح كل من الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة الشعب والمستهدف منها - تلميحا لا تصريحا - هي حركة النهضة أو بالأساس الدور الذي يريد لعبه راشد الغنوشي كرئيس لمجلس النواب والمتوسع فيه بصفة مسترابة ولا تتماشى لا مع حرف أو روح الدستور... فالسلطة التشريعية هي للمجلس برمته، ورئيس المجلس هو الممثل القانوني والإداري للبرلمان فقط ليس إلا..
ونعود الآن إلى سؤالنا الأول: ما الذي يحكم هذه التحالفات وما هو الرابط بين مختلف هذه «المعسكرات»؟
لو تفحصنا كل حزب أو كل جهة سياسية على حدة لوجدنا أن المحدد في هوية كل منها هو نوع من الايديولوجيا المفارقة (اسلام سياسي.. قومية عربية .. الدولة الاجتماعية - لكي لا نقول الاشتراكية - الدستورية البورقيبية...) أي هويات لا تنطلق مباشرة من مقترحات ملموسة لمشاكل الناس ومن تصورات محايثة للاصلاح الاجتماعي والاقتصادي، أو لنقل على الأقل أن جلّ هذه المكونات تقدم الهوية الايديولوجية المفارقة على المقاربة الاجتماعية الاقتصادية المحايثة. وينتج عن هذا أن الصداقة والعدارة في تونس تتأسس على الايديولوجي المفارق الحامل معه تُراثا من الصراعات العنيفة في جلّ الأحيان أكثر مما تبنى على المقاربة المحايثة البراغماتية..
والثقة بين المتحالفين لا تنجم عن تقارب في البرامج والأفكار الاقتصادية والاجتماعية بل على مدى انسجام أو تنافر الايديولوجيات الهووية لكل طرف من هذه الأطراف. ويضاف الى كل هذا عندنا حسابات الربح والخسارة السياسويتين اليوم وفي الانتخابات القادمة وكيف نحقق مكاسب للأنصار.
بالطبع نحن لا ننكر أن بعض المكونات الحزبية في الحكم أو المعارضة بصدد التخلص - بنسب متفاوتة - من هذا الإرث الإيديولوجي الذي حكم كل مكونات النخبة التونسية إلى وقت قريب، ولكن هذه الميكانيزمات القديمة مازالت ذات فاعلية كبرى ولهذا لم نجد في كل الحكومات المتعاقبة الى حدّ الآن تحالفا واحدا انبنى على برامج اقتصادية واجتماعية بل انبنت كل التحالفات على تقارب ايديولوجي وهمي أو فعلي أو على مصالح حزبية آنية.
فالإشكال اليوم لا يكمن، في نظرنا، في التلاسن المتبادل بين حركة الشعب والنهضة أو بين أنصار الغنوشي وأنصار قيس سعيد أو في التنافر الواضح بين الكتل البرلمانية لأحزاب الحكم.. الإشكال الأساسي هو فيما يوحد اقتصاديا واجتماعيا أحزاب الحكم وهل أنها قادرة غدا على قيادة الاصلاحات الضرورية للبلاد وهي متحدة؟ هذا هو السؤال الأهم والتقارب الضروري لا وضع الخلافات التاريخية بين الاخوان والقوميين العرب بين قوسين.
البلاد تحتاج إلى اصلاح عميق لكل من منظوماتها التربوية والتكوينية والاقتصادية والاجتماعية، فهل يملك ائتلاف الحكم تصورا متناسقا لكل هذا أم أن هم بعض أطرافه هو البقاء في الحكم اليوم وغدا؟
لا إشكال في الصراع بين أطراف سياسية حاكمة ولكن نريده على مستقبل تونس وأبنائها بالأساس لا الى من تؤول الغلبة العسكرية في ليبيا مثلا ... نتمنى خلافا عميقا وهادفا حول المديونية ومستقبل المؤسسات العمومية وكيف نصلح المنظومة التربوية وفي استراتيجيات مقاومة الفقر، وليكن التلاسن في هذه المواضيع اما وضع السيف في الغماد بين فرقاء تطغى عليهم النزعة الايديولوجية فقد يثلج صدر البعض ولكنه لا يخدم البلاد في شيء.