لا نملك حلا آخر لوقف تفشي وباء الكورونا سوى الحجر الصحي الشامل والصارم.
لقد حصل ما كنا نخشاه اذ تفشت العدوى عندنا وفق نفس الاتجاه الذي ساد في جلّ دول العالم اذ تضاعف عدد المصابين بحوالي 10 مرات خلال 12 يوما فقط، فتونس التي سجلت أول حالة اصابة بفيروس الكورونا المستجد يوم 2 مارس الجاري ستنهي هذا الشهر وقد تجاوز عدد الاصابات عتبة الأربعمائة وأننا سنتجاوز حتما عتبة الألف خلال الأيام الأولى لشهر أفريل ثمّ ننتظر بدايات التأثير المحتمل للحجر الصحي الشامل الذي دخلت فيه البلاد انطلاقا من يوم الأحد 22 مارس الجاري...
لا يجادل أحد في الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للحجر الصحي العام ولكن من مسؤولية السلط العمومية أن تحمي أولا وقبل كل شيء صحة المواطنين أيا كان هذا الثمن وكما أسلفنا لا تملك تونس ولا بقية دول العالم حلا أكثر نجاعة من الحجر الصحي العام رغم كل آثاره وأعراضه الجانبية والتي أتينا على جزء هام منها يوم أمس.
لا أحد يمكنه التكهن بما سيكون عليه الوضع الوبائي في البلاد مع أواسط أفريل القادم ولكن السيناريو الأرجح هو بعض الآلاف من الاصابات (حوالي خمسج آلاف لو تواصلت العدوي وفق نفس الوتيرة) وعشرات الموتى أو ربما بعض المآت وما نتمنى هو عدة مئات من الذين شفوا تماما من كل مخلفات هذا الفيروس.
والسؤال الحارق هو متى نرى أثر سياسة الحجر الصحي الشامل؟ الأرجح في نظرنا أن الأثار الأولى لن تظهر قبل الأسبوع الثاني من شهر أفريل وعندما نرى حالات الاستهتار (أو الصعوبة لتطبيق صارم لهذا الحجر يمكننا التكهن أن النتائج الايجابية المرجوة لن تظهر قبل النصف الثاني من شهر أفريل إن لم نقل في أواخره، وهذا يعني بداهة أننا قد نكون مضطرين لتمديد ثان يوصلنا الى بدايات شهر ماي القادم.
والاشكال، كل الاشكال، هو كيف تتحمل البلاد واقتصادها ومواطنيها ولا سيما الذين يعيشون أشكالا مختلفة من الفقر والتهميش وتبعات ايقاف «عجلة» الرزق طيلة كامل هذه الفترة؟
هذا هو السؤال الأساسي الذي ينبغي علينا جميعا أن نجيب عنه لا فقط الحكومة ورئيسها. والجواب لن يكون قطعا بالخطاب الشعبوي السهل الذي اعتمده قيس سعيد في افتتاحه لاجتماع مجلس الأمن القومي.
لا شك أنه من واجب الحكومة وضع الخطة الوطنية الملائمة لتمر البلاد من مرحلة الكورونا بأخف الأضرار وقد حافظت بأقصى الجهد والطاقة، على نسيجنا الاقتصادي العام والخاص وكذلك على مواطن الرزق والحد الأدنى لمرافق الحياة لجميع مواطنيها.
وهنا سوف يتضح للجميع أن المجهود الوطني الضخم وتخصيص 2،5 مليار دينار لن يكون كافيا بالمرة وأننا قد نظطر لمضاعفته مرتين أو ثلاثة وهذه مسألة لا عهد لنا بها وسوف تجبر الجميع على تضحيات ضخمة لا تهم فقط الفئات الميسورة بل وكذلك كل شرائح الطبقة الوسطى...فالأولوية اليوم هو ألا تجوع أية عائلة تونسية في أية رقعة من الجمهورية، ونحن نتحدث هنا على حوالي سبعمائة ألف عائلة وما يقارب ثلاثة ملايين نسمة علاوة على الاحاطة النفسية بجزء هام منهم وطمأنتهم على أن توقف النشاط الاقتصادي لجلهم لن يؤدي بهم الى الفقر المدقع وعدم القدرة على سدّ الرمق، وأنهم غدا سيجدون فرصا للعمل والاسترزاق أيضا.
كم ستكون كلفة هذه الفاتـــورة الاقتصاديــة والاجتماعية؟ ومن أين سنأتي بالأموال؟ وما هي التضحيات التي ستدعى إليها الفئات الميسورة والطبقات الوسطى؟ وكيف نجد السبل دون مزايدات وخصومــات وحسابات ضيقة؟
ذلك هو التحدي الأكبر لتونس خلال شهر أفريل القادم، فإما أن نربح هذه الحرب جميعا ونخرج من هذا الوباء ونحن أكثر تضامنا وايمانا ببلادنا أوأن نتمزق شيعا ومذاهب فتذهب ريحنا جميعا والخوف كل الخوف أن يشعل رئيس الدولة نيرانا لن يكون قادرا على اطفائها.