للمرحلة الثالثة من تبعات عدوى فيروس كورونا ،الّتي أعلن عنها رئيس الحكومة أول أمس الجمعة 13 مارس 2020.
مردّ ُ الإرتياح ، إقدام الحكومة على الإنخراط في خطّة عامّة لدرء المخاطر وإقرار اجراءات حماية البلاد من مزيد انتقال حالات الوباء من الخارج ،و القيام بما تتطلّبُه الوقاية للحد من إنتشار الفيروس الخطير في الداخل بعد تسجيل إصابات بصدد المتابعة .
لا شك أن لهذه الإجراءات المعلن عنها تداعيات إقتصادية و خسائر محتملة يمكن التعرف على ملامحها في الدراسة الّتي أعدّها حكيم بن حمودة و محمّد الهادي البشير التي تنشرها «المغرب» (أنظر الصفحات 8و9)، ولكن ما لم يتناوله رئيس الحكومة ، هو الجانب الّذي هو مصدر المخاوف و الخشية الّتي سبقت الإشارة إليها.
يتمثل هذا الجانب المسكوت عنه إلى حد الآن ، في التدابير المصاحبة الّتي يجب أن تتخذها الدولة ،بخصوص الأضرار الّتي ستلحق أصحاب الخدمات والمنشآت بسبب الإجراءات المتّخذة، وكذلك كيفية تطبيق مختلف الإجراءات وسبل جعلها شاملة وبيان كيفية زجر المخالفات .
فالمطاعم والمقاهي والملاهي تعدّ بالآلاف، وتشغّلُ يدا عاملة متنوعة في حصص موزعة على مدار اليوم الكامل، وبعضها مرتبط بقروض بنكية أو بتمويلات من شركات الإيجار المالي، وبإلتزامات مالية تجاه المزودين ، لذلك فإن تطبيق الإجراءات على النحو المعلن عنه، سيضع شريحة هامة تواجه نقصا معتبرا في المداخيل، يخل بموازناتها المالية، ويجعلها في مواجهة عجز سيتفاقم على ضوء المدّة الزمنية الّتي تقتضيها الأوضاع.
لن يتوقف الأمر على قطاع الخدمات الاستهلاكية ، بل إن الأمر سيشمل مجال القضاء الّذي يخضع لإجراءات مختلفة مرتبطة بآجال حدّدها القانون بما في ذلك مدّة الإيقاف و آجال السقوط و الإعتراضات و غيرها من المسائل ، الّتي يسبب تحديد مجالها ، في المس بالحقوق والحريات .
كما تشمل مضاعفات الإجراءات المتخذة قطاع التعليم بمختلف أصنافه ،و رزنامة تنفيذ برامج التعليم السنوية وكذلك الامتحانات والمناظرات .
دون الدخول في تفاصيل كل القطاعات، يمكن القول أن فترة التوقي من مخاطر الفيروس، تتطلب جهدا إضافيا للعمل، وليس فرصة للخلود إلى الراحة والتعلّل بالإجراءات للإنقطاع عن العمل ، كما يعتقد البعض.هذا ما نبّه إليه رئيس الحكومة ضمنيا ، ولكن دون أن يدعو كل الوزارات والإدارات إلى تشكيل خلايا تعد الخطط اللاّزمة لإتخاذ التدابير الضرورية المصاحبة في كل قطاع.
هذا يعني أن تنكب وزارة المالية على متابعة الآثار المباشرة الناجمة عن الإجراءات المعلن عنها على موارد الخاضعين للضريبة ، قبل أن تدعوهم للإلتزام بواجباتهم الجبائية، مثل تعليق سريان الفوائض على الديون أو إعفاء وقتي لتجنب العجز في الدفع ،و غيرها من التدابير الّتي يجب الإنكباب عليها صلب لجان موسعة تشخص و تقيّم و تتخذ القرار العادل المناسب .
كما سيطال إتخاذ التدابير المصاحبة ، قطاع البنوك والإيجار المالي ، الّذي سيكون إزاء صعوبات إستخلاص الديون ، و كذلك أمام تزايد طلبات الإقتراض ، بحيث سيكون هذا القطاع مطالبا بالمساهمة في المجهود الوطني لتجاوز الأزمة الّتي ستكون خانقة خاصّة إذا طال أمد الإجراءات . و بالتالي على الحكومة إتخاذ القرارات المناسبة بعد التشاور مع أهل القطاع ، و الدعوة إلى توخي المرونة الّتي يقتضيها الظرف ، في إستخلاص الديون وتوظيف الفوائض و منح القروض و تخفيض نسب الفائدة خاصة في القطاعات الحيوية .
إن تثمين الإعلان عن الإجراءات المتخذة، يجب أن ترافقه الدعوة الملحّة إلى التفكير في التدابير الّتي يجب إتخاذها بسرعة لضمان انخراط الجميع في المجهود الوطني لتجاوز هذا الظرف الصعب ، و تجنب تحميل فئة دون أخرى التضحيات الّتي ستبذل.
هذا هو الامتحان الأول للحكومة الجديدة كي لا تبرهن فقط على جرأة الإعلان عن إجراءات الوقاية ، بل كي تبرهن أيضا على امتلاكها القدرة الخلاّقة و الإرادة القوية لتجاوز إكراهات هذا الظرف . لذلك ننتظر الدعوة إلى أن تتشكل «خلايا النحل» في كل وزارة و في كل مجال، مع الإنفتاح على كل المساهمات الخاصة، لصياغة التدابير المصاحبة للإجراءات المعلن عنها في أسرع وقت ممكن لتكون الدولة حامية بحق لكل التونسيين.