هذه الإصابة التي تدخل تونس ضمن قائمة البلدان التي «تسلّل» إليها الفيروس كانت متوقعة خاصة بعد أن أصبحت جارتنا الشمالية ايطاليا وبدرجة أقل فرنسا من البلدان الموبوءة ، أي البلدان التي تنتقل فيها العدوى بصفة محلية، وذلك أيا كانت الاحتياطات التي يتم اتخاذها، وتونس قد أعدت كل ما أمكن لها للتشخيص الفوري منذ مناطق العبور البرية والبحرية والجوية. والمنصف يقر بالجهود الضخمة التي بذلتها كل الإدارات والوزارات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصحة، لحسن الاستعداد لهذا المرض الجديد والذي لا يعدو أن يكون إلا حالة من حالات الأنفلونزا (la grippe) ولكن بخصائص جينية مختلفة للفيروس كما كانت ما يسمى شعبيا بأنفلونزا الخنازير ..
ويمكن أن نقول منذ الآن أن حالات أخرى ستظهر في الأيام والأسابيع القادمة وتنكب كل المجهودات الآن لتمنع حالة العدوى العمودية أي الإصابة بالمرض خارج البلاد من التحول إلى العدوى الأفقية (أي العدوى من شخص إلى آخر داخل البلاد) فالوضعية الأولى تبقى تحت السيطرة أما الوضعية الثانية فتطرح تحديات اكبر على المنظومة الصحية للحيلولة دون الحالة الوبائية..
ما نريد قوله هنا هو أنه لا وجود لأي سبب عقلاني يبعث على الخوف أو الهلع، والفرق شاسع بين الحذر الواجب في التعامل مع فيروس الكورونا من احتياطات صحية فردية وجماعية لا ينبغي أن يتحول إلى حالة هلع لأن الأضرار المادية والبشرية الناجمة عن الهلع والذي يتحول بسرعة إلى جزع تتجاوز آلاف المرات الأضرار المتوقعة من وجود حالة أو بعض حالات من المصابين بالكورونا .
ويمكن أن نقول بأن بلادنا محظوظة لأن تسجيل أول حالة جاء في المراحل الأخيرة من فاعلية الفيروس لأنه بحكم موسميته فإن فاعليته لن تتجاوز شهر أفريل القادم، وهذا ما سيعطي مهلة لكل المخابر والعلماء في العالم لإيجاد اللقاحات والأدوية المناسبة له لو عاد إلى الفاعلية مع بداية موجات البرد في الخريف القادم..
لا ينبغي للتونسيين أن يشككوا في صدقية ونزاهة الإرشاد الصحي الذي تقدمه السلطات العلمية والإدارية المختصة وألا يدخلوا في هستيريا جماعية كان يخزنوا ما يفوق طاقة استهلاكهم من المواد الغذائية خاصة فنتحول من معالجة حالات معدودة الى فقدان مواد أساسية من السوق بحكم حالة الهلع التي تفوق عدواها كل فيروسات العالم مجتمعة.
ما ينبغي أن نؤكد عليه هو أن بلادنا لا تعيش اليوم أزمة صحية وكل المعطيات تشير الى أن فيروس الكورونا لن يتحول إلى أزمة صحية في تونس خلال هذا الموسم الحالي على الأقل، ولكن قد تكون بعض المخلفات اقتصادية على بلادنا لاسيما في قطاع السياحة بحكم التراجع المحتمل لحركة السياح في العالم بصفة عامة ، ولكن قد تتغير المعطيات العالمية بعد شهر افريل وقد تشهد انتعاشة خاصة في المناطق التي عانت كثيرا من هذه الحالة الوبائية في الأشهر والأسابيع الأخيرة ..
مسألة أخيرة لابد أن نقف عندها وأن نعمل جاهدين على مقاومتها واقتلاع جذورها وهي ارتباط الخوف والهلع عند البعض بممارسات عنصرية كامنة في الأعماق كأن نحمل شعبا أو جهة ما مسؤولية الفيروس أو نتعامل بعدوانية مع المغاير المختلف أو أن نحرض على المرضى وأهاليهم وحتى على مجرد المشتبه في إصابتهم بهذا الفيروس..
هذه السلوكات العنصرية والعدوانية لابد أن تعاقب وان يعمل الجميع على إدانتها وأن ينشأ بناتنا وأبناؤنا على مناهضتها .
الحقد الأعمى هو الخطر الذي ينبغي أن يجتث بينما المرض، بالكورونا أو بغيره، ينبغي أن يداوى وان يعامل المصابون به بإنسانية.