نهائية التركيبة السياسية لحكومة الياس الفخفاخ وهو عدم التطابق بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية وهذا في ما نعلم نادر جدّا في النظم البرلمانية إن لم نقل انه حدث غير مسبوق..
في كل الديمقراطيات البرلمانية وبعد انتخابات عامة تنبثق الأغلبية الحكومية من رحم البرلمان نفسه وهكذا تتطابق بصفة كلية أغلبية البرلمان مع أغلبية الحكم ..
في تونس لدينا وضع مختلف إذ تتشكل أغلبية حكومة الياس الفخفاخ من ستة أحزاب وهي النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس ،وهي أحزاب لها كتل برلمانية ،والبديل ونداء تونس .أما الأغلبية البرلمانية فتقوم على تحالف الثنائي النهضة وقلب تونس مدعومة موضوعيا بائتلاف الكرامة وبصفة ظرفية من أحزاب ومجموعات أخرى بحسب الموضوع المطروح والطريف أن كلتي الأغلبيتين تتوفران تقريبا على نفس عدد النواب (حوالي 110 نواب) أي نصف نواب المجلس .
أغلبيتان مختلفتان وقد تكونان متناقضتين .نقطة التقاطع الوحيدة بينهما هي حركة النهضة التي تمثل عند كل أغلبية حوالي %50 من وزنها النيابي،وهكذا تتمكن الحركة الإسلامية من التحكم بمقادير متفاوتة في مصير الأغلبيتين معا ..
ولكن الجديد هنا أن هنالك مساعي للتقارب الجدي بين ما يسمى بالعائلة الوسطية وترجمانها البرلماني هو قلب تونس وتحيا تونس ومشروع تونس وربما اغلب ما تبقى من أحزاب كتلة الإصلاح والطموح هو إيجاد «جبهة برلمانية» تضم حوالي 70 نائبا ..
جبهة جزء منها في الحكم : تحيا تونس أساسا وجزء آخر في المعارضة بقيادة قلب تونس (نعم هكذا !).
ويمكن أن نضيف إلى هذا أن الكتلة الديمقراطية التي تضم التيار الديمقراطي وحركة الشعب وأربعة مستقلين قد تفقد هؤلاء الأربعة نتيجة عدم نيتهم التصويت لحكومة الفخفاخ وان حزبي التيار والشعب قد يربطان مصيرهما السياسي ببعضهما البعض على امتداد هذه العهدة النيابية إما حكما – كما هو الحال الآن – أو معارضة كما قد يحصل ذلك في مستقبل الأيام .
نحن إذن أمام مجموعة من المعادلات ذات المكونات المختلفة حكما ومعارضة،حكومة وبرلمانا.
ماذا يعني كل هذا ؟ وأية علاقة بين هذه المعادلات المعقدة وبين ما يفترض من فعل مباشر او غير مباشر لمحيط رئيس الجمهورية؟
بداية الواضح أننا لن نذهب إلى انتخابات سابقة لأوانها أي ان حكومة الفخفاخ ستنال الثقة وانه مهما كانت مدتها ومستقبلها فلن يتم حل البرلمان أي أننا أمام مشهد سياسي برلماني ورئاسي مستقر في ظاهره ولكنه مشتت في جوهره ومنقسم في توجهاته ومتناقض في أهدافه.. ولكن تأجيل «المعركة» الانتخابية إلى سنة 2024 غير من تكتيكات البعض وخاصة عند حركة النهضة التي اضطرت الى تراجع هام بعد أن تشبثت على امتداد أسابيع بـ«حكومة وحدة وطنية» فهاهي تدخل شبه مكرهة في حكومة الحدّ الأدنى رغم أنها عززت حضورها في حكومة الفخفاخ ،وهذا التعديل يكمن في المراهنة جوهريا على تحالف ثنائي مع قلب تونس وذلك قصد عزل وقتي لخصم قادم بقوة : الحزب الدستوري الحر والاستعداد لمواجهة مشتركة لخصم مازال هلامي الشكل وهو المشروع السياسي المفترض لقيس سعيد ..في الأثناء وعلى امتداد هذه الخماسية ستسعى النهضة إلى تحييد كل خصومها بمن فيهم أصدقاء الأمس وهم التيار وتحيا تونس وبدرجة أقل بكثير حركة الشعب.
كل ما سبق ينبئ بخماسية ذات تقلبات عديدة قد تدفع ثمنها حكومة الفخفاخ أمام أولى الصعوبات الفعلية التي فيها تختبر صلابة التحالفات وقدرة الأحزاب أمام ضغط الشارع والنقابات والإعلام .
خماسية تكتنز مفاجآت كثيرة لم نكتشف منها إلى حد الآن سوى القليل ..
في جدلية الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية
- بقلم زياد كريشان
- 15:24 22/02/2020
- 2876 عدد المشاهدات
تحدثنا لماما في مناسبات سابقة عن وضع غريب إلى حدّ ما يميّز بداية هذه العهدة النيابية الجديدة خاصة بعد أن تحددت بصفة