في إطار دعم الميزانية رغم أن المقصود به هو دعم الإصلاحات الاقتصادية الكبرى وتنفيذ «برنامج طموح للإصلاح الهيكلي».
سوف لن نتحدث كثيرا عن «إملاءات» صندوق النقد لأن بعضها – على عكس ما يعتقد بعض ساستنا – هي من صميم المنطق السليم: ترشيد الإنفاق العمومي ودفع النمو الاقتصادي بهدف تحقيق تنمية إدماجية للشباب وللمناطق المحرومة... فهذا ما يكرره منذ سنوات كل خبراء صندوق النقد والبنك العالمي وبقية شركاء تونس..
ولكن كل سياساتنا الاقتصادية والمالية بعد الثورة تشبه سياسة رجل المطافئ الذي يصبّ كل جهده على إطفاء الحرائق دون أن يجد الوقت الكافي للتوقي منها..
سوف نعود في مناسبات قادمة لحزمة الإصلاحات التي يشير إليها البيان الصحفي لصندوق النقد لِماما ولكن نريد أن نتوقف قليلا عند تفاقم المديونية التونسية ومخاطرها المستقبلية..
مع بداية الثورة كانت نسبة المديونية لتونس في حدود %40 من الناتج الإجمالي الخام (PIB) ثلثها ديون داخلية وثلثاها ديون خارجية... فنسبة التداين هذه كانت معقولة إلى حد بعيد.. ولكن بعد خمس سنوات تجاوزنا نسبة الـــ %50 (نحن الآن في حدود %53) مع تقريبا نفس هيكلة الدين ولكن الخطر الداهم علينا بكل قوة هو حجم خدمة الدين التي يتوجب علينا دفعها سنويا..
ففي سنة 2016 ستتجاوز خدمة الدين (أي أصل الدين مع فوائده) ولأول مرّة حاجز 5 مليار دينار (1,85 مليار لفوائد الدين مع 3,28 مليار دينار لأصل الدين أي في المجموع 5,13 مليار دينار) ومن المتوقع أن تقارب خدمة الدين 7 مليار دينار سنة 2017.
وغنيّ عن القول بأنه عندما تتجاوز خدمة الدين خمس الميزانية ستتعقد وضعية المالية العمومية بصورة غير مسبوقة وستكون كل السياسات الاجتماعية السخيّة إلى حد ما موضع سؤال..
المفارقة في تونس أن تدايننا الخارجي مازال تحت السيطرة عندما نقارنه بالناتج الإجمالي الخام ولكن خدمة الدين (أي المبلغ الإجمالي الذي نسدده سنويا) قد تجاوز الحدّ المؤرق للمالية العمومية خاصة وأن الإنفاق العمومي (كتلة الأجور بالتحديد) يتضخم سنة بعد أخرى إلى أن بلغ أرقاما قياسية وأن «الإصلاحات» التي نبشر بها منذ سنوات لم تر النور بعد...
الواضح أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ستكون عسيرة هذه المرة وأنه لن يكتفي بوعود على الورق رغم أن الصندوق كان مرنا جدا مع تونس هذه السنوات الأخيرة ولم يرد فرض إصلاحات من خارج على عكس ما يعتقده بعضنا ولكن المُقترِض دوما في وضعية صعبة لأنه ينبغي عليه بداية إقناع مُقْرِضِه بأنه قادر على السداد.. ودون العودة إلى نمو قوي في فترة قريبة فإننا سنواجه معضلة لا حلّ لها وهي تفاقم نسبة خدمة الدين مقارنة بميزانية الدولة.. وحينها قد لا نجد من يقرضنا بشروط صندوق النقد الحالية...