تصحيح وتصويب السياسات العمومية، قدر الامكان، أو على الأقل في وضع الاصبع على مواطن الخلل وفي اعلام المواطنين وكل الهيئات الوسيطة من اعلام وجمعيات ونقابات بهذه النقائص حتى تتم معالجتها.
يقوم مجلس نواب الشعب بهذا الدور الرقابي عبر آليات مختلفة من بينها حصص الحوار - أو مساءلة - الحكومة، أي رئيس الحكومة أساسا، أو بعض الوزراء أو بعض الجهات المسؤولة عن تنفيذ سياسات عمومية كما حصل ذلك يوم أمس مع محافظ البنك المركزي.
ويتجلى أيضا الدور الرقابي في الأسئلة الكتابية أو الشفوية التي يتوجه بها النواب الى الوزراء...
ولكن هنالك اشكال هام لا يتعلق فقط بهذا المجلس بل وبسابقيه كذلك يتمثل في اهدار فظيع لوقت المجلس وللسلط التنفيذية المدعوة لهذا الصنف من الحوار أو المساءلة وذلك بالاعتماد على قاعدة ساذجة لا تلبي الا نرجسية البعض وهي احتساب ثلاث دقائق لكل نائب حاضر تتوزع في ما بعد بين نواب الكتلة الواحدة بما يعطينا ساعات عديدة من «النقاش» تمتد كامل اليوم وأحيانا إلى أجزاء من الليل وتفرض على الحكومة أو الوزير أو محافظ البنك المركزي وفريقه الحضور بالمجلس يوما كاملا للاستماع إلى سلسلة من المونولوجات بعضها مفيد وعميق وجلّها اما تكرار لتدخلات سابقة أو سباحة حرة في مياه مغايرة أو تدخلات فاقدة للدقة وللجدية خاصة عندما يكون الموضوع متعلقا بالاقتصاد كما هو الشأن ليوم أمس أو فرصة للظهور التلفزي والقيام بحملة دعائية أو بفرجة شخصية أو دفاعا عن جهة معينة وخارج موضوع الجلسة بالكلية.
ويعود الاشكال الأساسي الى هذه القاعدة الغبية بكمية الوقت المخصصة للنقاش والتي لا تقل في العادة عن سبع أو ثماني ساعات تتخللها كالعادة نقاط نظام وأحيانا مشاكسات بين النواب...
والأغرب من كل هذا أن جل النواب لا يستمعون الى تعقيب المسؤول الذي توجهوا إليه بالأسئلة كما كان الحال يوم أمس اذ أجاب محافظ البنك المركزي حوالي الساعة السادسة مساء أمام حضور ضعيف للغاية وذلك رغم الأهمية البالغة لموضوع النقاش وهو الوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد.
هذا يعني أن هنالك هدرا هائلا للوقت وضياعا للجدوى واستحالة المتابعة المفيدة لهذه الحصص الماراطونية.
في كل برلمانات العالم الديمقراطي لا تتجاوز حصص الحوار مع الحكومة، أو مع المسؤولين التنفيذيين 90 دقيقة وفي حالات تكون أقل من ساعة ويخصص نصف هذا الوقت أو ثلثاه على الأقصى للنواب ويتم تقسيم هذا الوقت بين مختلف الكتل بالاعتماد على تمثيليتها النسبية وهكذا تركز كل الكتل على تدخلات ممثليها
ويرتفع بذلك مستوى الحوار ويتم التدقيق في الأسئلة أو الملاحظات ونتجنب الخطب الانشائية ويستفيد المواطن/المشاهد والاعلام والجمعيات والنقابات...
نحتاج فقط إلى قرارات لا تراعي نرجسية بعض الأشخاص - حتى وان كانوا نوابا للشعب - بل الفائدة المرجوة من العمل الرقابي وفي الارتقاء الضروري بالنقاش العام حتى نجسر الهوة بين النخب السياسية - والبرلمان في جوهرها - وجموع المواطنين..
في مجالات عدة لا تستحق البلاد إلى اصلاحات ضخمة بل إلى تعديلات تعتمد فقط على عقلنة الممارسات وربح الوقت ومقاومة اهدار الطاقة في كل مجال...
يناقش اليوم مجلس نواب الشعب تنقيح نظامه الداخلي داخل اللجنة المعنية والأمل معقود أن تتغلب العقلانية في تنظيم كل نشاطات المجلس حتى نجنب البلاد هدرا كبيرا للوقت... والوقت من ذهب كما قال القدامى.