تحذير قوي من النهضة يصل إلى التعريض بانتخابات سابقة لأوانها ورفض لائتلاف الكرامة وملاحظات من تحيا تونس وحركة الشعب،وهي الأحزاب الأساسية التي اختارها الياس فخفاخ لتشكيل حزامه السياسي وفق مبدإ من دعا للتصويت لقيس سعيد في الدور الثاني للرئاسية فهو معنا وأما البقية فهم في المعارضة..
وهنا سؤال تقني بسيط : ماذا لو كان عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة، منافس قيس سيعد في الدور الثاني للرئاسية بدلا عن نبيل القروي، هل كان إلياس فخفاخ سيعمد إلى نفس المعيار؟ وهل كان سيعتبر أن المكان الطبيعي لحركة النهضة هو المعارضة ؟!
نقدم هذه الفرضية الجدلية، والتي لم يفصلنا عن احتمال حصولها سوى تسعين ألف صوت فقط لنبرهن على الخطأ الأصلي في معيار الاختيار لأن وجود أي منافس آخر سوى نبيل القروي كان سيغير المعطيات رأسا على عقب.
ففي الحزام السياسي المفترض لحكومة إلياس فخفاخ هنالك عدة أحزاب قدمت مرشحين للرئاسية وكان بإمكان اثنين أو ثلاثة منهم الحضور في الدور الثاني للرئاسية ومنافسة قيس سعيد، فهل كان سيتم استبعادهم ؟
استبعاد قلب تونس لم يتم على خلفية منافسة مرشحه لقيس سعيد بل على جملة من الاعتراضات الأخرى أساسها الشبهات المحيطة برئيسه وبالطريقة التي تأسس بها هذا الحزب فقط لا غير..
ثم نجد في قائمة الأحزاب التي تم استقبالها من قبل إلياس فخفاخ، كنداء تونس مثلا ، من لم يدع للتصويت لقيس سعيد في الدور الثاني بما يدل أننا أمام «حيلة» الهدف منها استثناء قلب تونس فقط لا غير مع التشاور مع أحزاب صغيرة التمثيلية ولكنها قريبة جدا من قلب تونس اليوم.
والإشكال هنا هو أن حركة النهضة قد جعلت من تشريك الحزب الثاني في البرلمان شرطا شبه أساسي لمشاركتها هي في الحكم ولمنحها بالتالي الثقة لالياس فخفاخ.
ودوافع حركة النهضة واضحة فهي بداية لا ثقة لها في «شركائها» المفترضين في حكومة إلياس فخفاخ أي التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس أساسا فهذه الأحزاب كانت من بين أهم من اسقط حكومة الجملي ولكن محاذير النهضة الأساسية تأتي من عدم رغبتها في فسخ رئيس الدولة والياس فخفاخ للحظة التشريعية بل وإلغائها بحجة شرعية اللحظة الرئاسية وزخمها الشعبي الكبير. والنهضة ترى في هذا المسعى ضربا للنظام السياسي الوليد القائم أساسا على مركزية اللحظة التشريعية.
والسؤال الأساسي اليوم هو هل سيؤدي الاشتراط النهضاوي مستحيل التحقيق – وإلا لاندثرت حكومة فخفاخ قبل تشكيلها- إلى إسقاط الحكومة القادمة ودفع البلاد دفعا إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها إذ لا يتوقع عاقل ألا يعمد رئيس الدولة إلى حلّ البرلمان في هذه الصورة وان يبقى البلاد تدار بحكومة تصريف أعمال غادرها جزء كبير من وزرائها؟ !
الأكيد أنه لا إمكانية لمرور حكومة الياس فخفاخ دون مباركة نهضاوية،فهل يعوض المكلف النهضة بذبح عظيم مقابل تخليها عن قلب تونس ؟
وما عساها تكون هذه الفدية دون حصة ضخمة في «حكومة الرئيس» مع ضمان آلية تشارك فيها النهضة بقوة في التعيينات والإقالات القادمة ؟
ولكن ألا يخسر الاثنان معا في هذه المقايضة ؟
حركة النهضة لأنها ستظهر مرة أخرى كحزب متلهف على السلطة واقتسام كعكتها وأنّ مواقفه لا علاقة لها بالمبادئ وأنها لا تصمد أمام الاغراءات والترضيات وإلياس فخفاخ لأن حكومته ستصبح نوعا من حكومة الترويكا مكرر ولكن هذه المرة بشخصية «صديقة» للنهضة لا قيادات الصف الأول فيها كما كان الحال مع حمادي الجبالي أو علي العريض .
نحن أمام إحراج فعلي وكل خطوة إلى الوراء من النهضة أو من المكلف إلياس فخفاخ ستفهم بأنها هزيمة أو ترضية تحت الطاولة لا علاقة لها من قريب أو من بعيد لا بالمصلحة الوطنية (النهضة) ولا بالنفس الثوري (إلياس فخفاخ) ولكن الاستمرار في المشاورات مع مختلف الأطراف الحزبية والشخصيات العامة والمنظمات الوطنية دون حل مرضي لهذا الخلاف سيكون نوعا من العبث .
لقد اختار التاريخ في تونس ان يعيد نفسه وان يمزج في كل مرة بين المأساة والمهزلة ،فمصير الياس فخفاخ قد لا يكون مختلفا عن مصير الحبيب الجملي إلا في صورة حصول النهضة، هذه المرة، على تنازلات هامة من «المعسكر الرئاسي» .
ستكون البلاد في الأيام والأسابيع القادمة أمام لعبة بوكير كاذب والويل لكل من سيفقد أعصابه.