أوّلها يتعلّق بانعدام الاستقرار وغياب الدولة التي كان باستطاعتها السيطرة على الجماعات المتطرّفة، ومراقبة حدودها، وثانيها يتصل بوجود جماعات متعدّدة مدعومة من جهات أجنبيّة (تركيا وقطر...) وقيادات من جنسيات مختلفة : مصريّة وتونسيّة وبحرينيّة وسودانيّة وعراقية وغيرها خبرت الحرب والتخطيط وتوفّرت لديها القدرة على التنفيذ، والمهارة منذ انخراط عدد من القياديين في «الجهاد الأفغاني» .أمّا العامل الثالث فيكمن في وجود شبكة ممتدة على منطقة الساحل بحيث يقع التنسيق بين الجماعات في ليبيا ومالي وغيرها من البلدان بكلّ يسر.
ومثلما هو معروف مع كلّ إعلان عن اندلاع حرب أو صراع مسلّح تستغلّ عدّة جماعات الموقف لصالحها ولذلك وجدنا عصابات التهريب تنشط فتسعى خلال هذه الأيّام، إلى تمرير الأسلحة القادمة من تركيا إلى ليبيا عبر تطاوين والقصرين ومدنين. وفي السياق نفسه أعلنت السلط الأمنيّة عن العثور على بعض الأشخاص الّذين كانوا يخطّطون لعمليّات إرهابيّة تستهدف مقرّات أمنيّة. ولكن ثمّة فرضيات أخرى محتملة تتمثّل في محاولة الخلايا النائمة استغلال هذه الظروف لتجديد نشاطها لاسيما وأنّ تدفّق اللاجئين على تونس يعتبر فرصة ثمينة لتنفيذ عمليّات إرهابيّة. وتشير بعض المصادر إلى تسلّل عناصر إرهابيّة من جنسيات مختلفة أهمّها تونسية وتشاديّة وموريتانية، وسورية إلى التراب التونسيّ، بعد أن اطلق سراحها من السجون التركيّة ورُحّلت إلى ليبيا.
ولا يمكن التغافل عن إمكانيّة استغلال «الذئاب المنفردة» من الجنسين الوضع لردّ الفعل، ولفت الانتباه إلى قدرتهم على إحياء فكرة «دولة الخلافة باقية وتتمدّد»، خاصّة إذا أدركنا أنّ شهادات بعض التونسيات ، والتونسيين في بعض وسائل الإعلام الأجنبيّة تؤكّد أنّ فكّ الارتباط بالفكر المتشدّد لم يحصل، وأنّ التعلّق بحلم إحياء «دولة الخلافة» لا زال يدغدغ البعض.
وفي سياق سياسيّ مخيّب لآمال أغلب التونسيين كشف عن هنات في مستويات عدّة: منها ما يتعلّق بعدم التمكّن من إرساء عقد اجتماعيّ جديد، ومنها ما له صلة بالعجز عن إعادة الثقة في الحكومة والسياسيين عموما، ومنها عدم توفّر القدرة على حسم الخلافات ذات الصلة بالاستقطاب الأيديولوجيّ، ومنها غياب الشفافيّة واضطراب التصريحات بشأن الخلاف الليبيّ والتدخّل التركيّ، واستشراء النفاق والتلاعب بالعقول... ماذا يمكن أن ننتظر من بلد يُساس على هذا النحو ؟
وفي سياق اجتماعيّ ارتفع فيه منسوب العنف وشعر فيه التونسيين بانعدام الأمن لاسيما بعد تعدّد عمليات السطو والاغتصاب والتحرّش والقتل... ماذا يمكن أن ننتظر من مختلف مكوّنات المجتمع المدنيّ الّذي لم يستطع تجاوز وقع الصدمات؟
وفي سياق تعليميّ وثقافيّ وإعلاميّ كشف عن الخلل البنيويّ في تصوّرنا لوظيفة المؤسسات التعليميّة والثقافية والإعلاميّة وتأرجحنا بين مناول مهترئة وأخرى مسقطة ماذا يمكن أن ننتظر من النخب والشابات والشبّان في هذا السياق المتأزّم؟
تنصّ الهيئات الأممية والمنظمات المهتمّة بوضع الاستراتيجيات للتوقّي من خطر التطرّف العنيف، خاصّة في سياق الصراعات والتوتّر على أهمّية العمل المشترك بين مختلف الفاعلين، وتوحيد الجهود للتصدّي للخطر الداهم، وتعزيز اللحمة بين أبناء المجتمع الواحد، وتمتين عرى التعاون بين البلدان المجاورة ولكن يبدو أنّ التونسيين غير مكترثين بوضع الاستراتيجيات الشموليّة والتشاركيّة مادام «تشكيل الحكومة» هو الحدث الّذي استحوذ على اهتمام الجمهور.
لنهدر الوقت في البحث عن اللامعنى، واللعب على الحبلين والمراوغة والتلاعب والرياء بحثا عن موقع أو امتلاك سلطة ما. وفي المقابل تسعى الجماعات المتطرّفة إلى التسريع من وتيرة العمل والتشبيك والمؤازرة فالفرصة ملائمة للفعل في الواقع.