قبل المنعرج الأخير لاستحقاقات 2019 شخصيات وأفكار ، بلا إطار

من لا يعتقد أن استحقاقات انتخابات 2019 و كأنها في أجل شهرين ، يخطئ في كل توقعاته و سيستفيق بعد أن تتجاوزه

الأحداث ، كما حصل ذلك في الانتخابات البلدية الأخيرة ،و لكن بدرجة أخطر لما لها من أهمية في تجديد مستقبل البلاد.
و لذلك يستغرب المتابع للشأن السياسي في تونس ، من تواصل تداول الافكار والتصورات المستقبلية نظريا بين الشخصيات السياسية ودوائرهم المقرّبة ،و كأنهم ليسوا على عجلة من أمرهم ، متناسين عقارب السّاعة الّتي تدور وفق أجندات معدّلة وفق مخطّطات الأطراف الأكثر تنظما و تنفذا في مختلف الأوساط كي تحققّ السبق الّذي يؤمّن لها الكسب الانتخابي .

ولتقريب صورة ما يتكرّر على أرض الواقع، يجدر التذكير بأنه في الوقت الّذي كان فيه العديد من السياسيين يتطارحون الأفكار عن العمل البلدي، كان حزب النهضة يقرأ الخارطة الإنتخابية و يوزّع أتباعه على مختلف الدوائر البلدية و يتابع كيفية التمركز طبق سكن الأتباع و تغيير ترسيمهم بالقائمات الانتخابية طبق الحاجة .

و ما يقتضيه العمل اليوم بعد حل إشكالية الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات ،هو الانصراف إلى سبل العمل على تحيين القائمات الانتخابية ،و ادراك الناسين والعازفين عن الترسيم ، بعد متابعة المستجدات الإحصائية.

والوعي بأهمية هذا المعطى ، يقود إلى توسيع القاعدة الانتخابية و حث المتخلين عن ممارسة واجبهم الانتخابي ، على المشاركة في الشأن السياسي ، و عدم ترك المكان شاغرا كي لا يستفيد منه الطرف الأكثر إلتزاما و انضباطا، خاصة في ظل النظام الانتخابي الحالي الّذي يخدمهم.

لا نقلّل من شأن تداول الأفكار و النقاش حول التنظم السياسي و نواقصه و لكن ماذا ينتظر العديد من الشخصيات السياسية والكفاءات الادارية من الاستحقاقات القادمة و هم على الحالة الّتي هم عليها من تشتّت و تنافر في وضع غليان و جدل حول ما يصلح و لا يصلح بالبلاد ؟ ماذا ينتظرون للقيام بأي فعل جاد على طريق التغيير و تقديم البديل المقنع في إطار يجمعهم؟

والبديل لن يكون مقنعا طالما لم يصدر عن قوى قادرة على التنظم و تقديم الأهم على المهم، و إعطاء المثل على نكران الذات و تجاوز تضخم الأنا، و وضع مصلحة البلاد فوق كل إعتبار.

ودون التشكيك في وطنية أو كفاءة أي شخصية سياسية أو عامّة خارج دوائر السلطة، و دون التقليل من شأن أي واحد منهم، نتساءل عن الفارق في التصورات السياسية العامة على سبيل الذكر لا الحصر ، بين السادة أحمد نجيب الشابي و مصطفى كمال النابلي و المهدي جمعة و سعيد العايدي و ياسين ابراهيم ومصطفى بن جعفر وحسين الديماسي وجنيدي عبدالجواد وعبيد البريكي و محمّد الكيلاني والطيب البكوش والصادق بلعيد وقيس سعيد وعصام الشابي ومبروك كرشيد والفاضل عبد الكافي ومحمّد جغام ومنذر الزنايدي و أحمد فريعة و حكيم بن حمودة ورياض بن فضل وغازي الشواشي و محمّد عبّو و ماهر بن ضياء ومحمد المختار الجلالي وعبير موسي وكمال الجندوبي والتوهامي العبدولي وغيرهم من الشخصيات المصنفة ضمن العائلة الوسطية الديمقراطية .

كل هؤلاء قد يختلفون في بعض التفاصيل و لكن يمكن أن يجتمعوا على أهم القواسم في برنامج عمل موحد ، مع امكانية الاتفاق على من يختلف معهم في التصورات الأساسية لبناء دولة القانون والمؤسسات ذات القيم الجمهورية الحداثية ،و يمكن أن ينضووا تحت راية واحدة حتى مع الّذين يعارضون الطامحين لتغيير النمط المجتمعي و أسلمة الدولة على مراحل.

و لكن يبدو أن هؤلاء لم يتّعظوا بنتائج انتخابات 2011 و لا بنتائج 2014 ولا بنتائج الانتخابات البلدية و لا بالنكسات الّتي عرفتها قوى سياسية بالداخل وبالخارج على مدى السنين.

لذلك نراهم يعيدون نفس الأخطاء بالرغم من أنهم يقيمون أوضاع البلاد بنفس الطريقة و يتفقون تقريبا على تعداد نفس الأسباب الّتي أدّت إلى تدهور الأوضاع و وقفوا على ما أصاب الدولة من ضعف والسلطة من تفكّك.

إن أخطر ما يصيب السلطة، أي سلطة : التفكّك. لذلك فإن أهم ما يسعى إليه الراغبون في بناء جديد لنمط مجتمعي أو سياسي مهيمن ليس تفكيك السلطة القائمة و تقويض ركائزها، فقط، بل شق صفوف القوى التي يمكن أن تنافسها أو أن تحول دون تحقيق أهدافها ، لتشتيتها ومنع تجمّعها. وإدراك ذلك لا يكفي ،لأن المهم هو مجابهة أي مخطّط لضرب المكاسب و إفشال أي محاولة لتقويض أسس دولة ذات خيارات ديمقراطية وحداثية ، بالفعل الواعي و الممنهج والجاد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115