لا التوتر الحاد الذي يميز علاقة الطرفين ومطالبة الاتحاد برحيل الحكومة منذ عدة أسابيع ..
هذا الوضع المتأزم سياسيا هو الذي يعطي بعدا سرياليا للقاء اليوم، بعد زاده تعليق المنظمة الشغيلة على صفحتها الرسمية بالفايس بوك «إثارة» إذ نجد فيه «توضيح لابد منه: إن مواصلة التفاوض دفاعا عن حقوق الشغالين لا يتعارض مع تمسك الاتحاد بتغيير الحكومة ورئيسها وضرورة الإسراع بتجاوز الأزمة السياسية والحكومية»..
وفي الحقيقة لو لم يكن هنالك من تعارض، على الأقل لدى البعض ، لما كان هنالك من داع لهذا «التوضيح» الذي «لابد منه»..
عندما نستمع إلى تصريحات بعضها فيه نوع من المغالاة وعندما تخصص المركزية النقابية جزءا هاما من جهودها ومن وقتها للتشاور مع خصوم الحكومة حول ضرورة رحيلها الفوري لا يمكن أن نتصور أننا إزاء لقاء «عادي» يندرج ضمن «استمرارية» الدولة مع «شريكين» بينهما علاقات «عادية» ..
المعلومات شحيحة للغاية حول «المفاوضات» التي أدت إلى الاتفاق على هذا اللقاء الذي لم يعلن عنه إلا يوم أمس . ويبدو أن هنالك حرصا من الطرف الحكومي على ملاقاة القيادة النقابية قبل انعقاد الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل وهي كما يعلم الجميع أعلى سلطة قرار في المركزية بين مؤتمرين ولا نعلم بالتفصيل ماذا سيقول كل طرف للآخر ولكن الواضح أن الحكومة تريد ألا يكون «الحوار» مع اتحاد الشغل بواسطة وسائل الإعلام وحول قضايا سياسية سياسوية بل تريد أن تعرف ما هي مآخذ المنظمة بالتفصيل في مختلف الملفات المطروحة بدءا بالمفاوضات الاجتماعية وصولا إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ومرورا بما يعيبه بالضبط اتحاد الشغل على الأداء الحكومي.. أي أن اللقاء سيكون بمثابة محاولة لإذابة الجليد الذي تلبّد بين الطرفين ومحاولة لحلحلة «النقاش» من السياسي المحض «ترحل الحكومة أو لا ترحل» إلى الملفات التفصيلية والى الحلول الممكنة فيها كلّها اليوم..
الحسابات السياسية للطرفين ستكون حاضرة بقوة في لقاء اليوم ، فاتحاد الشغل الذي ذهب بعيدا في المطالبة برحيل الحكومة ورئيسها لا يريد الدخول في نقاش حول الوضع العام في البلاد مع حكومة الشاهد بل يريد من هذا اللقاء التزاما من رئيس الحكومة بتطبيق ما اتفق عليه بين الطرفين في آخر لقاء من هذا الصنف الذي حصل يوم 27 نوفمبر الفارط أي منذ سبعة أشهر ..
أي أن الاتحاد يريد أن يجعل مسارين منفصلين : مسار سياسي يتفاوض فيه مع الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج ومع الأحزاب السياسية ذات التمثيل البرلماني ومسار اجتماعي يتفاوض فيه مع الحكومة المسؤولة إداريا وتقنيا على هذه الملفات .. أي أن القيادة النقابية مبدئيا ليست مستعدة لفتح باب النقاش مع الحكومة حتى في الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تنوي القصبة الإقدام عليها كالصناديق الاجتماعية مثلا..
أما رغبة الحكومة فهي مختلفة تماما. حكومة الشاهد مستعدة فيما يبدو ، لتقديم بعض التنازلات للمنظمة الشغيلة على شرط أن يكون هذا ضمن حزمة متكاملة فيها الملفات الاجتماعية الحارقة (المتقاعدون وعمال الحضائر والزيادة في الأجور في القطاع العام) وفيها أيضا الإصلاحات الكبرى أو بعضها على الأقل (خاصة إصلاح الصناديق الاجتماعية) كما تريد الحكومة أن يكون تقييم الاتحاد للأوضاع العامة في البلاد أكثر مرونة وأكثر تفهما للصعوبات الموضوعية التي تعترضها ..
ولا يخفى على أحد أنّ لكلا الطرفين هشاشات واضحة اليوم للعيان .. فالحكومة ليست متأكدة بعد ورغم التحول الهام لصالحها في موازين القوى داخل كتلة نداء تونس من حصولها على أغلبية مطلقة ومريحة داخل البرلمان سواء تعلق الامر بالتصويت على الثقة للوزراء الجدد اثر التحوير الوزاري المرتقب أو حتى بمجرد التصويت على مشاريع القوانين الأساسية ذات الأولوية بالنسبة لها ..
أما اتحاد الشغل فقد وجد نفسه في زاوية معقدة فهو لا يمكنه المطالبة برحيل الحكومة على امتداد اشهر طويلة لان ذلك لا معنى له ولذلك راهن على تدخل - لم يأت – لرئيس الجمهورية أو على أغلبية – انفرطت- داخل البرلمان .. فلو تمكنت الحكومة من تمرير التحوير الوزاري ومن الحصول على أغلبية مطلقة مطمئنة يصبح اتحاد الشغل في وضع حرج لأنه لن يكون فقط ضد الحكومة بل وضد البرلمان أيضا وهذه وضعية ليست طبيعية بالمرة لطرف اجتماعي له مثل هذا الوزن ..
لا يتوقع أحد أن يغير اتحاد الشغل موقفه من الحكومة غدا ولكنه مضطر لإدخال التوازنات السياسية الجديدة ضمن اعتباره حتى لا يكون معزولا في حرب استنزاف طويلة لا أفق سياسي لها ..
والمفارقة في هذا الصراع أن كلا الطرفين بحاجة إلى الآخر فالاتحاد لا يمكنه أن يكون فقط في صورة المحتج والمعارض على الدوام بل هو ملزم أمام قواعده بتحقيق بعض المكاسب وهذه المكاسب لن تتأتى الا بإمضاء حكومي ، كما ان حكومة الشاهد لا يمكنها أن تتجاوز هذه الأزمة السياسية الخانقة دون تحييد ولو نسبي لاتحاد الشغل ..
المهم في لقاء اليوم ليس ما سيقال أو ما سيعلن عنه في وسائل الإعلام.. المهم هو في إمكانية وجود متاحات جديدة تسمح للطرفين بتعديل نسبي لأوتارهما دون الاضطرار إلى تغيير جوهري وسريع في مواقفهما ..
اليوم ستكون مجالات الصمت أهم بكثير من مساحات الكلام ..