بعد إقالته على خلفية أحداث قرقنة: لطفي براهم: «قلب الأسد» أم رجل اللوبيات؟

تعلم «تونس السياسية» منذ أشهر أن العلاقة متوترة بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية وان لطفي براهم لم يكن يعير «تعليمات» أو حتى

«اقتراحات» القصبة كبير اهتمام ..

والمسألة لم تكن فقط مزاجية وصراعا على حدود الصلاحيات ..أو لم تكن هكذا فقط بل كانت أيضا مسألة حرب تموقعات عناوينها واضحة أحيانا وغامضة أحيانا أخرى ..

تموقعات يتداخل فيها السياسي مع الأمني مع اللوبيات المتصارعة على النفوذ في البلاد ..

في هذه الحروب الخفية في السياسة التونسية هنالك روايات شتى ومرويات متناقضة تقدم بعضها لطفي براهم كـ«قلب الأسد» و«قاهر الجرذان» وتوحي بأنه شوكة في حلق مشروع الإسلام السياسي وان لديه خصالا قيادية قد تسمح له بإخراج البلاد من الفوضى والانفلات العارمين ..أما في المرويات المعاكسة فلطفي براهم هو رجل الظلّ ذو العلاقات المتينة مع لوبيات تتقاطع مصالحها اليوم مع نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي وهو بهذا المعنى لديه عين ساهرة على حماية البلاد وعين ثانية على رعاية مصالح هذه اللوبيات ..

والشهادة المهمة في هذه السرديات ليس تطابقها مع معطيات حدثية يمكن الجزم بصدقيتها بل بما قد تؤثر به هذه الروايات في صناعة الرأي العام وفي تهيئته لقبول مآلات معينة ..

ولكن أيا يكن من الأمر العلاقة متوترة بين الشاهد وابراهم منذ اشهر وخاصة منذ تلك السفرة الغريبة لوزير الداخلية للسعودية ولقائه بخادم الحرمين الشريفين دون تكليف واضح وصريح من جهة رسمية تونسية أي من رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة وما قيل عن ظروف عودته وعن حقائبه التي لم تمرر على سكانار المصالح الديوانية ثم إقالة المدير العام للأمن العمومي، كما لم يفهم رئيس الحكومة كيف توترت العلاقة بين الإعلاميين التونسيين والأجانب مع أعوان الأمن خاصة في تغطية أحداث جانفي الأخيرة لاسيما وأنه أسدى تعليمات صارمة بضرورة التعامل المهني والحسن مع كل الإعلاميين ..

ويمكن أن نضيف إلى هذه القائمة الحماسة الدينية المبالغ فيها لوزير الداخلية في تطبيقه لمنشور يعود الى سنة 1981 والمتعلق بغلق المقاهي والمطاعم في رمضان باستثناء المناطق السياحية وخاصة تلك التبريرات التي أعطاها عندما أجاب عن سؤال النائبة هاجر بالشيخ أحمد عن هذا الخرق الواضح لحرية فردية يضمنها الدستور .. ثم مابدا أنه تراخ في البحث عن سلفه ناجم الغرسلي المطلوب من العدالة والذي قد يكون محميا اليوم من قبل جهات متنفذة في منظومة الحكم..

وجاءت الفاجعة الأخيرة قرب سواحل قرقنة وغرق ما قد يزيد عن مائة شخص ولجوء وزير الداخلية إلى إعفاءات بالجملة في كبار المسؤولين الأمنيين بولاية صفاقس دون أن يراجع في ذلك رئيس الحكومة ..

هل هي القطرة التي أفاضت الكأس ؟ وهل في الكأس قطرات أخرى تفسر ما حدث ؟

لاشك أن مأساة غرق قارب الموت في قرقنة مسألة ضخمة لا يمكن أن تمر دون أن تتحمل كل الأطراف مسؤوليتها ولكن السياق السياسي العام الذي جاءت فيه هذه الإقالة يجعلنا ، ضرورة ، ننظر اليها في سياق صراع الأجنحة داخل منظومة الحكم اليوم ، صراع اتخذ شكل الحرب المفتوحة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي فالحديث كان شبه متواتر عن إقالة وشيكة لوزير الداخلية بدأ قبل فاجعة قرقنة وراجت تسريبات مفادها أن يوسف الشاهد ذاته قد يتولى الإشراف على وزارة الداخلية بالنيابة..

ويرى بعضهم أن لطفي براهم قد ذهب قربانا لتأكيد تأييد حركة النهضة ليوسف الشاهد وأن هنالك «صفقة» ما قد عقدت في اللقاء السري الذي جمع رئيس الحكومة برئيس حركة النهضة، لقاء أثار حفيظة رئيس الدولة ذاته والذي رأى فيه نوعا من «المؤامرة» على «التوافق بين الشيخين» مما استدعى لقاء استعجاليا في ساعة متأخرة من الليل لوضع النقاط على الحروف بين مهندسي الحكم في البلاد ..

ولكن قبول رئيس الدولة صباح يوم أمس بإقالة لطفي براهم يجعلنا نرجّح ان الجوهري في هذه الإقالة ليست ترضية حركة النهضة بقدر ما هي ترضية ليوسف الشاهد وإبراز التأييد الرئاسي لصاحب القصبة .. على الأقل إلى حدّ اليوم .. كما لا ينبغي أن يخفى عنا أنّ زيارة السعودية قد تكون أثّرت هي الأخرى في القرار الرئاسي..

هل خرج يوسف الشاهد منتصرا في معركته مع وزير الداخلية ؟
الأكيد أن صاحب القصبة قد سجل نقاطا مهمة وبيّن لخصومه داخل منظومة الحكم بأن سهامه لم تنفد بعد وأنه قادر على ممارسة صلاحياته كاملة حتى عندما يتعلق الأمر بمنافس من الحجم الثقيل كلطفي براهم ..

وبهذه الإقالة يكون يوسف الشاهد قد فرض ميدان المعركة ونسقها أيضا إذ لم يعد الآن من بد من إجراء تحوير وزاري وشيك فالبلاد لا يمكن لها أن تبقى دون وزير داخلية متفرغ بالكلية لمهمته ..

وما دام التحوير الوشيك سيتضمن تعيين وزير جديد للداخلية فقد يشمل أيضا بعض الحقائب الأخرى وسوف تضطر الأغلبية البرلمانية وخاصة كتلة نداء تونس الى المصادقة على الوزير أو الوزراء الجدد حتى لا تدخل البلاد في حالة فراغ امني وهكذا يكون يوسف الشاهد قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد : تحوير وزاري جزئي في الأيام القادمة بما يجعل الحديث عن تحوير حكومي شامل أمرا مستبعدا على المدى المنظور مع إبراز قوة الارادة والقدرة على الفعل أمام الخصوم..

ثم إن إقالة لطفي براهم هي رسالة أيضا لكل الوزراء الذين يدينون بالولاء لغير رئيس الحكومة بأن استمرارهم في مواقعهم إنما هو رهين قراره هو لا غير ..

ولكن هل يعني هذا أن رئيس الحكومة قد ربح «الحرب» المفتوحة داخل حزبه ؟ بالتأكيد لا ولكن الحرب معارك ويوسف الشاهد قد ربح يوم أمس معركة هامة أبرزته كلاعب أساسي في منظومة الحكم لا كمتغير تعديلي (variable d’ajustement) يتفاوض على مصيره بغيابه ..
الأكيد أن وتيرة المعارك ستتسارع وأن خصوم الشاهد لم يلقوا بعد المنديل ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115