ولو لحين... ولنتأمل في الحراك النسائي في العالم خلال هذه الأسابيع، وهو حراك ملفت للانتباه ويتطلب حفرا في الخلفيات الثاوية وراءه . فبعد انطلاق حملة فضح المتحرّشين Mee too في الولايات المتحدّة الأمريكية وفي الفضاء السينمائي ، ها أنّ أصوات الضحايا ترتفع هنا وهناك لتكشف عن المستور في مختلف المؤسسات والأفضية ولتثبت في ذات الوقت، نجاح الحملة وتحوّلها إلى حركة معولمة عابرة للأجناس والقارات والثقافات.
الجديد هو اعتراف مجموعة من المسلمات بوجود ممارسات التحرش في فضاء يفترض أنّه «مقدّس» ومخصّص للعبادة وأداء الطقوس الدينية فإذا بفئة من القوم لا تلهيهم العبادة عن اللمس، والغمز والنظر.... هاشتاغ أنا أيضا تُحرّش بي في المسجد MosqueMeTooانطلق يوم 6 فيفري 2017 بتغريدة دونتها الناشطة الحقوقية المصرية - الأمريكية منى الطحاوي تروي فيها قصتها مع التحرش أثناء أداء العمرة سنة 1982 عندما كانت مراهقة وترتدي الحجاب، وأثناء أداء الحج سنة 2013 وتحثّ النساء على كسر جدار الصمت. وبالفعل استجابت مائة امرأة من أفغانستان وإيران ومصر وغيرها لهذا النداء عبر تويتر للحديث عن استغلال بعض المؤدين للمناسك الازدحام في الصفوف للمس أجساد النساء أو الاحتكاك بها بطريقة تنمّ عن رغبة في الاستمتاع. ويقرّ بعض الرجال بأنهم كانوا يصاحبون زوجاتهم أو بناتهم أثناء الطواف حتى يوفروا لهن الحماية المطلوبة لوعيهم بوجود التحرش.
أن تُقدم بعض المسلمات على إثارة هذا الموضوع الذي يعدّ من الطابوهات، هو أمر ملفت للانتباه لاسيما وأنّهن يعلمن أنّ خطابهن يواجه بالإنكار والتكذيب والعنف بل إن البعض يعتبرها مؤامرة تحاك ضد الإسلام والمسلمين أو من الممارسات الشاذة التي لا ينبغي التوقف عندها. ولكنّ المتأمّل في أشكال التعبير عن العنف المسلّط على النساء يدرك أنّها تندرج ضمن حركة إزالة الحجب عن ممارسات مسيئة للنساء انطلقت بوضوح وبجرأة لا مثيل لها مع الثورات العربية حين أدانت الشابات المصريات فحوص العذرية التي فرضتها المؤسسة العسكرية على الناشطات الحقوقيات، وحين كشفت بعضهن عن أشكال التحرّش الجماعي في الفضاء العمومي، وحين تحدثت الناجيات من المعتقلات السورية عن أشكال التعذيب التي توظف الجنسانية لهذا الغرض، وحين روت الأيزيديات ما حدث لهن في سجون الدواعش....
وتتزامن حملة «أنا أيضا» التي أثارت قضايا تتعلق بالحجاب والستر والمحرم والفضاء الديني «المقدس» والأخلاق والكبت، والحماية، والجنسانية، والضبط... مع حراك الشابات الإيرانيات اللواتي خلعن الحجاب خلال الأسابيع الماضية ، ونشرن صورهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحدين السلطة الدينية الرسمية وقبلن دخول السجن على الالتزام بلبس الحجاب. «بنات ثورة الشارع» «the Girls of Revolution Street» يكسرن جدار الصمت والخوف ويثبتن أنهن لن يخضعن لسياسات الأجساد التي فرضتها «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» منذ عقود.
حين يتعلّق الأمر بفضح الممارسات والسلوك وازدواجية المعايير والطقسنة المفرغة من المحتوى تُجرّد أقوال النساء من صدقيتها ، وتصبح «تغريداتهن» كذبا ، وبهتانا، و«تطاولا» على الإسلام و«رضوخا» للأجندات الغربية بل يصبح خطابهن خطاب «جنون» ولا غرو في ذلك مادام بوح النساء وانتقادهن للمؤسسة الأبوية قد اقترن منذ القدم وفي ثقافات كثيرة بالجنون والمرض ونقصان العقل... ذلك أنّ المرأة الصالحة تستر ولا تفضح، تصبر ولا تعبّر، تغرّد مع السرب ولا تخرج عنه .ولكنّ هذه التمثلات قد اربكت فبعض النساء يقاومن بكلّ إصرار ويصرخن عاليا: «لن نخضع» بعد اليوم لاستراتيجيات التصميت، وسنتكلّم ونفضح عسى أن يحدث التغيير. فهل ستكشف النساء التونسيات المنخرطات في العمل السياسي والثقافي و...عن تجارب التحرّش؟