إرهابيين خطيرين للغاية أحدهما الذراع الأيمن لزعيم تنظيم القاعدة الارهابي بالمغرب الإسلامي..
وجاءت هذه العملية لتذكرنا بأن فلولا إرهابية مازالت تتحصن ببعض مرتفعاتنا الغربية منذ ست سنوات على الأرجح زمن قيل لنا بأنّه لا وجود لمجموعات إرهابية في الجبال إنّما هم فقط بعض المواطنين الذين يقومون بحركات رياضية لإزالة «الكولسترول»!! ست سنوات من التواجد الإرهابي المسلح ومن عمليات استهدفت قواتنا العسكرية والأمنية ومن استقطاب ودعاية لهذه المجموعات الدموية..
لقد بدأنا نعي جميعا بوجود هذه الحرب منذ ربيع 2013 وبعيد اغتيال الشهيد شكري بلعيد حينما حصدت ألغام الإرهاب بعض أرواح شهدائنا الأبرار ولكنها لم تفرض نفسها على الجميع إلا بعد مجزرة 29 جويلية 2013 حيث نصب كمين في شهر رمضان ذهب ضحيته ثمانية من جنودنا البواسل..
لاشك أننا اليوم في وضعية مختلفة بصفة جذرية عما حصل في سنتي 2013 و2014 وان الضربات الدقيقة المتتالية لقواتنا العسكرية والأمنية قد أجبرت ما تبقى من هذه المجموعات على التخفي المستمر وشلت بصفة كبيرة قدراتها القتالية ..
لقد أكدنا مرات عديدة على الأهمية الإستراتيجية لحرب المرتفعات هذه وعلى أهمية حسمها ،امنيا،بصفة نهائية وذلك لسبب جوهري له بعدان على المستوى الأمني والنفسي ..
إن بقاء مجموعات مسلحة على شبر من أراضينا حتى ولو كانت متخفية بالتضاريس الصعبة لغاباتنا الجبلية يمثل تهديدا مستمرا لتونس إذ عادة ما تعمد التنظيمات الإرهابية لهذا الصنف من التواجد لا لتحقيق فوز عسكري مستحيل حتى وإن كان جزئيا بل كعنصر دعائي بالأساس يخدم صورة الجماعة القادرة على تحدي الدولة المركزية وعلى التمترس فوق جزء من أراضيها ويوهم أنصارها بأن مجرد الصمود حتى وإن كان بالتخفي وبالإدبار في المعارك إنما هو نوع من النصر ..
ثم إن مجموعات الجبال المسلحة مرتبطة دوما بشبكة من خلايا الإسناد والتعبئة والتموين والتمويل ولذلك يكون القضاء النهائي عليها في المرتفعات الغربية ضربة قاصمة لكل خلايا الإسناد اللوجستي هذه ويقضي كذلك على وهم إقامة حصن للإرهاب ولو كان في مساحة محدودة ومتحركة في الغابات الجبلية ..
كل ما سبق يؤكد على ضرورة ربح المعركة الأمنية ضد الإرهاب وأنّها اليوم أولوية قصوى لأن كل تراخ فيها سيوفر للإرهاب ملاذات آمنة كما حصل ذلك في السنوات الأولى للثورة حيث تظافر الانفلات الأمني الكبير في سنة 2011 مع العماد الإيديولوجي للترويكا في 2012 و2013 ليعطي هذه الملاذات لمجموعات الدم ونحن ندفع منذ سنوات ثمن هذا التراخي في البدايات ولكن اقتلاع الإرهاب من بلادنا لن يتم فقط باقتلاع المجموعات المسلحة أو تفكيك خلايا الإسناد والدعم..اقتلاع الإرهاب مسألة معقدة يتداخل فيها الوطني مع الإقليمي والدولي ويتداخل فيها أيضا الأمني مع الاجتماعي والثقافي والتنموي ..
لاشيء يبرر ولو جزئيا الإرهاب ،لا الوضع الشخصي أو العائلي أو الاجتماعي ،فالإرهاب جريمة وعلينا جميعا أن نتعامل معه بوصفه كذلك ،ولكن انخراط آلاف الشباب التونسيين في هذه المجموعات والتعاطف ولو النسبي،لعشرات الآلاف الآخرين مع الكابوس الجهادي هي مسائل تدفعنا إلى تفكير عميق ورصين وتطرح علينا سؤالا لابد لنا من الإجابة عنه : ما الذي يفسر مثل هذا الانخراط الكبير في المجموعات الإرهابية ؟ وكيف ننقذ عشرات الآلاف من «الجاذبية» الجهادية الإرهابية ؟
ثم كيف نتعامل مع آلاف المسجونين الحاليين أو السابقين في القضايا الإرهابية ؟..
أسئلة كثيرة لم نبدأ في الاستعداد الجيد لها رغم وعي السلط العمومية بخطورتها البالغة..
نحن لن نهزم الإرهاب فقط بمواجهته بالفرق الخاصة الأمنية والعسكرية ،على الأهمية البالغة لهذه المواجهة ،بل بكسر دعايته وتفنيد جاذبيته وانتشال العدد الأكبر من شبابنا من براثنه..
الإشكال ليس في التوصيف فهذا محل شبه إجماع ولكن في نوعية السياسات العمومية القادرة على تحقيق هذا الهدف لان التوفيق بين ربح المعركة الأمنية وربح العقول والنفوس ليس أمرا هينا ولا يجدي فيه الخطاب الجيّد والايجابي بل له كلفة اجتماعية ومادية لابد من القبول بدفعها ..
وعندما نجيل النظر في أنجع طرق المعالجة سوف نكتشف أن الإرهاب يتغذى من أمراض اجتماعية شتى ومن غياب الدولة في كل أبعادها اجتماعيا وتنمويا وثقافيا وتربويا ورياضيا ..
يخطئ من يعتقد أن هنالك بعدا واحدا في الحرب على الإرهاب وذلك أيّا كان هذا البعد : أمنيا أو دينيا أو فكريا أو اجتماعيا ..
حربنا ضدّ «التطرف العنيف» كما تسميه مراكز البحوث الغربية متعددة الجوانب وهي تفرض علينا تصورا جديدا للعقد الاجتماعي ..
ورغم خصوصية الظاهرة الإرهابية باعتبارها نهجا عقائديا قد يستهوي البعض إلاّ أنّها تتقاطع ضرورة مع وضعيات التهميش والهشاشة النفسية والعائلية والمعرفية ،وهذه كلها مجالات التدخل الضروري للمعالجة..
لقد خطونا خطوات جبارة في اتجاه التحجيم الكبير للإرهاب امنيا ولكن تبقى الأبعاد الأخرى في انتظار ابتكار السياسات العمومية المثلى ..