لقد عرفنا رجالا ينافحون عن امتيازاتهم بشتّى الطرق حتى وإن اقتضى الأمر تأسيس جمعيات للدفاع عن حقوق الرجال أو توظيف حجج معبّرة عن عنف التأويل أو إنتاج فتاوى وخطب تنتزع النصوص الدينية من سياقها وتحرّض على تأديب النسوان، واستمعنا إلى خطابات رجال تؤكد كره النساء ، وعاينّا مواقف فئة أخرى من الرجال الذين ادّعوا دفاعهم عن قيم الحداثة، ولكنّهم خذلونا عند الحاجة إليهم، واختبرنا المسافة البَينِيَة بين من حذقوا الكلام عن حقوق النساء والدفاع عن مكاسبهن، في العلن ، ووقفوا في وجه كلّ فعل تحرّري أو مساواتي في الخفاء.
وفي مقابل هؤلاء ألفينا فئة من الرجال الصادقين في ممارساتهم والذين أثبتوا على مرّ الأيام أنّهم متصالحون مع ذواتهم قد تمكّنوا بالفعل من تحقيق التجانس بين الأقوال والأفعال...لهم رؤية إنسانية للحياة تتجاوز الجنس والعرق والطبقة والدين تساعدهم على التحرّر والتعامل مع النساء لا باعتبارهن الأمّ والأخت والبنت بل الشريك في الإنسانية والمواطنة ...فئة مناصري النساء حريصون على انجاز التغيير الاجتماعي عن قناعة ودون مساومات أو منّ... يفعلون في الواقع بصمت ولا ينتظرون مدحا ولا شكورا.
ولئن كان من الممكن لفئة من الرجال أن يكونوا من مناصري النساء فإنّه لم يكن من السهل على رجال آخرين أن يكونوا نسويين أو داعمين للنسوية Profeminist وأن يعلنوا ذلك أمام الملأ. وليس من اليسير على هذه الفئة من الرجال أن يتموقعوا في الخطاب المرئي أو المكتوب أو المسموع ضمن الحركة النسوية وأن يتحملوا تبعات اختيارهم. وبالرغم من أنّ النسويين من الرجال يهاجمون ويحاصرون ويعنفون لأنّهم وقفوا بوجه الأيديولوجيا الذكورية فإنّ لا أحد ينقل ما يتعرّض له هؤلاء من محن ولا أحد يعترف بنضالهم .
مناصرو النساء من النسويين وغيرهم من الحقوقيين ومناضلي الحركات الاحتجاجية الاجتماعية والسياسية يندّدون بما يرونه من انتهاكات، ويفضحون عديد الممارسات ويبادرون بطرح الأفكار والتصورات، ولا يخجلون من التصريح بمواقفهم... تجدهم في السرّاء والضرّاء جنبا إلى جنب مع النساء . وشتّان بين من يتظاهر بمساندة القضايا النسائية خدمة لأجندا سياسية ومن يدعم النضال الحقوقي من موقع الإيمان بأنّ المواطنية الكاملة لا تتحقّق في ظلّ تجزئة الحقوق والحريات.
النسويون من الرجال، على قلّتهم ، لا يتذرّعون بأنّ مطالب النساء ليست من الأوليات المطروحة اليوم على الساحة وليست في صلب القضايا الحقيقية كالتشغيل والإرهاب ... النسويون من الرجال لا يزعمون أنّ مطالب النساء مجحفة لا تتلاءم مع السياق الثقافي الحاضر ولا يحبطون آمال النساء وطموحهن في نيل المواقع القيادية مردّدين أنّ فرض الذات في المجال السياسي قد جاء متأخرا ... النسويون من الرجال ومناصرو حقوق النساء يعترضون على هذا الخطاب الذكوري المتهافت الذي ما عاد يقنع.
إلى كلّ هؤلاء الرجال الأفذاذ ... إلى كلّ الذين رافقوا الاحتجاجات والمظاهرات النسائية لا من موقع حماية الحريم بل من موقع المسؤولية والمساندة... إلى الشبّان الذين استطاعوا الخروج عن السرب في زمن برزت فيه أيديولوجيا ذكورية تسوّق للذكورة المهيمنة والمتوحشة...إلى كلّ هؤلاء المنسيين والمهمشين في تاريخ الحركة النسوية التونسية التي ظلّت مشدودة إلى التاريخ فأشادت بفضل الحدّاد وبورقيبة وتغاضت عن إسهامات رجال آخرين... إلى كلّ هؤلاء تحيّة إكبار وتقدير واعتراف بنضالكم الحقوقي ... أسماؤكم ومواقفكم ستظلّ منقوشة في الذاكرة...
ولأنّنا عرفنا ما معنى أن يكون المرء على الهامش فإنّنا سنكتب تاريخا لا يقصي ولا يتجاهل ولا يتنكّر ولا يهمّش ...سنكتب تاريخا ينصف كلّ المواطنات والمواطنين... كلّ عامّ ونحن بخير.