واللافت للانتباه في النقاشات التي تحدث في أهم العواصم الغربية سيطرة حالة من القلق على جميع المشاركين واقتناعهم بأن السياق يستدعي التأهب الشديد. وتبرّر هذه اليقظة بوعي الجميع بأنّ «تنظيم الدولة» قد تشظي إلى مجموعات صغيرة بعد أن رأت بعض القيادات وجوب التسلل إلى أماكن آمنة وهو أمر يحفّز الدول على مراقبة حدودها أكثر فأكثر ، وعلى اتخاذ تدابير أمنية أكثر صرامة ، خاصة وأن عدد العمليات التي سينفذها الأفراد (الذئاب المنفردة) انتقاما لما حدث مرشح للارتفاع ، وهذا يعني أنّ الحرب مستمرة ولكن من غير أسلحة ومعارك بل بوسائل جديدة. وقد أثبت «تنظيم الدولة» أنّ الجماعات الجهادية قادرة على ابتكار وسائل وأدوات متنوعة.
لا تقتصر الإجراءات الدولية المتخذة على المعالجة الأمنية بل ثمة اهتمام بوضع النساء والأطفال الذين فروا إلى بعض الدول وهم الآن يعيشون متخفين بلا هويات. وتكمن خطورة النساء في اقتناعهن بأنهن ضحايا تحالف الأنظمة الكافرة التي قضت على دولتهم الرشيدة ،وعلى هذا الأساس فإنهن يهاجرن ويتحملن المعاناة في سبيل الله. أمّا الأطفال فمنهم من تربى على مبادئ الجهاد، وعاين عمليات تنفيذ الحدود ولازال يردد الكلمات التي حفظها: الطاغوت، المرتدون، الكفرة...ويغني بعض الأناشيد التي تحفّز على القتل.
في مقابل الناجيات المتسللات إلى بعض البلدان ألقت السلطات العراقية والسورية القبض على مجموعات أخرى من النساء والأطفال. وقد انطلقت بعض وسائل الإعلام في نقل «شهادات» تصوغ سردية المرأة الضحية وتكشف «عورات» التنظيم. وما يشغل الهيئات الدولية هو: مدى ملاءمة الاجراءات القانونية المتخذة مع المعايير الدولية وكيفية إعادة إدماج هذه الفئات؟ وما هي المناهج المعتمدة لتحليل هذه الشهادات؟وكيف يمكن تأهيل الأطفال؟...
يعبر الحقوقيون عن قلقهم مما يحدث الآن من ممارسات تقيم الدليل على انتهاكات ترتكب في حق عدد من المقبوض عليهم والحال أنه يعسر التمييز بين «العالقين» و«المشتبه بهم» و«الجهاديين-الأسرى» وغيرهم. ويتخذ الحقوقيون التجربة العراقية في التعامل مع «الجهاديين» دليلا على وجوب التحرك السريع فبالرجوع إلى هذه التجربة يتفطن المرء إلى أن العقوبة تتجاوز الفاعل إلى أسرته ذلك أنّ الهويات الرسمية للأبناء تحمل إشارة دالة على أنّه «ابن جهادي» . ومما لاشك فيه أنّ هذا الوصم القانوني والاجتماعي يتسبب في صناعة ارهابيين جدد.
الواقع أنّ أسباب القلق لا تتوقف عند البعد القانوني فقط وإنّما تتعداها إلى ما سيترتب عن «حفلات التعذيب» والممارسات الانتقامية من نتائج على المجتمع ككل وعلى الخطط الموضوعة من أجل مكافحة التطرف العنيف ، وعلى الجهود التي يبذلها المجتمع المدني من أجل مكافحة كلّ أشكال التطرف. فلئن كانت أسباب الانضمام إلى الجماعات الجهادية في ما مضى مرتبطة حسب «الجهاديين» ،بالأنظمة الاستبدادية وعدم تطبيق «شرع الله» والفساد والفقر والهشاشة والإقصاء والتهميش فإنّ الانتهاكات القانونية لحقوق الانسان ستفتح الباب واسعا أمام انخراط أعداد أخرى من الشباب والنساء في الأيديولوجيا الجهادية وبالفعل يشير بعض الخبراء إلى أنّ الصفحات الفايسبوكية المؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية قد تضاعف في الأسابيع الماضية في الأردن وغيرها من البلدان.
تدرك الهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية اليوم أنّها أمام معضلة حقيقية فبعض الاستراتيجيات والخطط أثبتت فشلها ، وبعض التجارب الناجحة في التعامل مع «التائبين» لا يمكن تطبيقها في بلدان أخرى لاختلاف السياق (التجربة الجزائرية ، التجربة المغربية المعتمدة على الوعاظ والمرشدات)، وبعض المقاربات ما عادت متلائمة مع الأجيال القادمة من أوروبا هذا فضلا عن قلة الاحصائيات وغياب الدراسات الجادة وتحول البحث في الإرهاب والتطرف إلى «تجارة مربحة» ولكن ، ومع كل هذه الهنات فإنّ الفضل يرجع إلى هذه الهيئات التي استطاعت تجميع ممثلين لحقول مختلفة : مجتمع مدني فاعل في مناطق النزاع وأكاديميون وخبراء، وغيرهم كما أنّها جعلت حضور النساء والشباب مهمّا وفتحت المجال لهؤلاء حتى يشاركوا في وضع الخطط والاستراتيجيات وكذلك في نقد السياسات والمقاربات المعتمدة.
لم تعد مكافحة التطرف العنيف شأنا يخص النخب الأمنية والقيادات العسكرية بل هي شأن عام لابد أن يشارك فيه فاعلون متعددون ومن خلفيات مختلفة.