لاشك بأن هاجس نسب المشاهدة والمتابعة هو هاجس إعلامي مقبول وأن هنالك في أهل السياسة من يشد الانتباه أكثر من غيره .. وهنالك صراحة تغري مقابل محترفي اللغة الخشبية ..
كل هذه الاعتبارات معقولة ومشروعة ولا وجود لوسيلة إعلام لاسيما في القطاع الخاص لا توليها اهتماما كبيرا في تحديد الضيوف والمتدخلين.. ولكن أن يتحول المشهد الإعلامي في السياسة إلى مشهدية ركحية تلعب فيها الكلمات دور اللكمات دون أية قواعد وضوابط فهذا إضرار بالسياسة وإضرار بالإعلام على حدّ سواء ..
ما نحمده وما ينبغي أن نحافظ عليه في جلّ وسائل الإعلام التونسية اليوم هو حرصها على احترام التعددية الفعلية في المجتمع وان تمثل قدر الإمكان كل الآراء التي تتقاذف الساحتين السياسية والفكرية .. ولكن التركيز على الشخصيات الكاريكاتورية في الحكم والمعارضة يسهم بلا شك في تيئيس المواطنين من كل إصلاح ممكن في البلاد ..
وما نراه الآن في بعض الأحزاب - ونداء تونس نموذجا – من تقديم شخصيات في صفوفها الأولى تحوم حولها شبهات كبيرة لا يدعو إلا للاشمئزاز والقرف ..
يخطئ من يعتقد بان «حزب الرئيس» يمكنه أن يفعل ما يريد فقط لأنه حزب الرئيس ونجله .. فما يحصل هذه الأسابيع الأخيرة من رسكلة على نطاق واسع لرموز لم تعرف قط بسلامة المواقف ومبدئيها اليد من شأنه أيضا أن يدعو لليأس وأن يحبط عزائم كثيرة صادقة داخل هذا الحزب وخارجه ..
إن المتفحص في كامل الطيف السياسي من اليمين إلى اليسار يلاحظ وجود طاقات عديدة مخلصة للبلاد ولكن الغلبة النسبية للانتهازيين وللمهجرين.. على المشهد العام تعطي أسوأ صورة عن الحياة السياسية ومن ورائها الإعلامية في بلادنا ..
لاشك أن كل وسيلة إعلامية (وأحيانا كل برنامج إعلامي ) حرة في اختيار المواضيع والضيوف وطريقة التناول وزوايا النظر ..
ولكن لا يمكننا نحن معشر الإعلاميين ألا نفكر معا في دورنا الاجتماعي وفي الصورة التي ننقلها عن البلاد وعن نخبتها السياسية والفكرية بوجه الخصوص ..
ولكن هذا التفكير الجماعي والذي لم يبدأ بعد ، ليس بمعزل عن المسؤولية الفردية والجماعية لكل حزب على حدة ..
لا ينبغي أن يغتر أحد في بلادنا .. فمسارنا الديمقراطي مازال متعثرا وعوده لم يصلب بعد.. فإذا بلغ يأس المواطنين مداه من الساسة والسياسة فذلك ممهد لمخاطر الانزلاق نحو عودة العصا الغليظة والقبضة الحديدية ..
فعلا نحن أمام عالم قديم لا يريد أن يمر وعالم جديد لم تتضح بعد معالمه النهائية ..وبين هذا وذاك كائنات تقتات وتتموقع ظنا منها بان هذه الظلمات هي نهاية الطريق ..