وتدعم ، فيما يبدو ، بجملة من القرارات تخص جلّها التحكم في الجهاز الإداري للهيئة .
يبدو أن رئيس الهيئة قد وجد نفسه منذ أسابيع عديدة رئيسا كامل النفوذ في الخارج ولكن سلطاته ومجالات تدخله قد تقلصت كثيرا في الداخل بحكم وجود أغلبية داخل مجلس الهيئة أصبحت وكأنها معارضة لجلّ قراراته الإدارية بصفة شبه آلية .. نقول كل هذا بالحذر الواجب
لأننا لا نملك إلى الآن رؤية كاملة لمسار التوتر الداخلي الذي نتجت عنه هذه الاستقالة المدوية ونحن على أبواب أشهر معدودات من تنظيم أول انتخابات بلدية بعد الثورة ..
لسنا ندري هل أن هذا الصراع الداخلي كان هو المحدد الأساسي للاستقالة أم أنّ هنالك عناصر أخرى تحفظت الأطراف المعنية عن ذكرها ولكن أيّا يكن من أمر فنحن أمام رجة قوية لمسار ديمقراطي يشكو اليوم تعثرات واضحة..
ما يهم جلّ التونسيين اليوم هو مصير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقدرتها على الإيفاء بالتزامها الوطني الآني : إنجاح الانتخابات البلدية في إبانها..
بالإمكان تعويض الأشخاص المستقيلين إن هم أصروا على الاستقالة فحياة المؤسسات لا تتوقف على احد ولكن منسوب الثقة الذي بني لبنة لبنة بدءا بالهيئة السابقة وصولا إلى هذه الهيئة قد يضعف كثيرا لو جددنا ثلث الأعضاء ومن بينهم الرئيس قبيل أشهر قليلة من موعد انتخابي هام ومصيري
من سيصدق بان الرئيس الجديد ومن ورائه كامل الهيئة لن يكون تحت تأثير الأغلبية النيابية الحالية ؟ ومن سيصدق بان الهيئة ستخرج قوية بعد هذه الصدمة؟ ومن سيرحم أخطاءها أو نقائصها خلال هذه الأشهر القادمة ؟
إذ لا وجود اليوم لشخص واحد في تونس فوق كل الشبهات وكل الانتقادات..وبالإمكان أن تخسر الهيئة منسوب الثقة الذي تراكم خلال كل هذه الفترة بسبب الشكوك والتشكيك في نزاهة أو حيادية أو استقلالية رئيسها الجديد..
لقد كنا أول من اكبر في شفيق صرصار وكامل فريق الهيئة جهدهم وصبرهم على النقد والتجريح منذ صائفة 2014..فتونس مدينة لهذه الهيئة ولسابقتها بنجاحها في كل الانتخابات المنظمة منذ سنة 2011 رغم بعض التجاوزات والاخلالات هنا وهناك..ويعزّ علينا أن يتم التفريط في كل هذا الجهد والمراكمة الايجابية نتيجة غضب مهما كانت شرعية دوافعه..
لاشك لدينا بان شفيق صرصار قد خدم بلاده بجهد وتفان وإخلاص وانه قد اثبت استقلاليته ومهنيته..
وما نقوله بشأنه نقوله بشأن كامل مجلس الهيئة بأعضائه القدامى والجدد..
ولاشك أن شفيق صرصار ورفيقيه لم يقدموا على هذه الخطوة إلا بعد أن استنفدوا حسب رأيهم كل إمكانيات الإصلاح ولكن نخاطب فيهم اليوم حسهم الوطني المرهف :
لا تجعلوا من خلافات مهما كان عمقها سببا لهدم ما بنيتموه لبنة لبنة وبالأفعال وحسن الممارسات قبل الأقوال والخطابات الرنانة..
لا يحق لأحد أن يتكلم باسم تونس ولكنني اعتقد أن بلادنا المتعبة والمثقلة بالأزمات والمحن تطلب من شفيق صرصار و مراد بن مولى ولمياء الزرقوني أن يواصلوا رحلة نبذ الذات وتجاوز الخلافات حتى ينجزوا كفريق نرجو أن تزيده هذه المحنة لحمة الاستحقاق
الانتخابي القادم بأقل هزّات ممكنة ..
مغالبة هوى النفس وغضب الأنا – مهما كان شرعيا – من شيم الكبار ..وما أحوج تونس اليوم لهذه الطينة من النساء والرجال ..