حول إحداث لجنة تحقيق حول شبكات التجنيد: «بعد ما اتّخذ... شرا مكحلة...»

مقترح إحداث لجنة تحقيق برلمانية حول شبكات التجنيد الّتي تورّطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق الإرهاب (و ليس القتال)، الّذي من المنتظر التداول بخصوصه اليوم بمجلس نواب الشعب يكرّس المثل الشعبي القائل «بعد ما اتّخذ شرا مكحلة»
فهذه

الدعوة لم تأت عندما كانت شبكات التجنيد تباشر نشاطها في مختلف الجهات و تبذل كل مجهوداتها المادية و الدعوية لتجنيد الشباب على وقع حملات التحريض للانخراط في «الجهاد»، و إنّما تذكرها أصحاب المقترح اليوم عندما بدأ الحديث عن كيفية التعامل مع المجنّدين الراجعين لأرض الوطن.

هؤلاء الّذين عادوا أو سيعودون ، ليس خيارا منهم أو بناء على «توبة» أو تعبيرا عن ندم أو صحوة ضمير، بل هم عائدون قصرا بعد أن اقترفوا أبشع الجرائم في حق شعب آخر،و فشلوا في فرض خططهم أو خطط الّذين جنّدوهم ، وهي خطط عشّشت في أدمغتهم و يصعب تصوّر تخليهم عنها.

هذه الدعوة المتأخّرة توحي و كأن المحرضين على «الجهاد» أو المشجعين على التجنيد و الدّاعمين لهم من سياسيين جمعيات و أصحاب أموال ،مجهولون،أو ليس من الممكن التعرّف عليهم دون إعتماد لجنة برلمانية تتوّلى التحقيق لكشفهم.

و لو أن النظام الدّاخلي لمجلس نواب الشعب ينص على إمكانية إحداث لجان تحقيق بطلب من ربع الأعضاء على الأقل، فإن صلاحيات هذه اللّجان و جدواها تبقى مبهمة . بل إن التجربة بيّنت إنعدام أي أثر على مجرى ما تمّ التحقيق بشأنه، و أن كل المهام الّتي تُسند ُ إلى لجان (مهما كان مجالها)غالبا ما تكون قبرا للتحقيقات و مسّكّنا للرأي العام .

إن التعرّف على المتحكمين والفاعلين في شبكات التجنيد و الدّاعمين لها صراحة أو ضمنيا بالصمت أو بغض النظر عن نشاطهم ، أمر يبقى بيد السلطات الأمنية والقضائية، الّتي ستقودهم التحقيقات و الأبحاث مع كل عائد، و عبر ما توفّره الإستقراءات والأعمال الإستخباراتية من معلومات. وعدم حصول ذلك ، مردّه إمّا التقصير أو عدم الكفاءة.

إن التحقيق في المسائل الأمنية والبحث والتقصّي في كل ما له صلة بالأنشطة الإرهابية في الداخل والخارج ،مهام موكولة للأجهزة الأمنية والعسكرية و بالتعاون الدولي الّذي تضمنته إتفاقيات مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة و غسل الأموال. وليس للبرلمانيين أن يحشروا أنفسهم في مثل هذه المهام،وأن ينصرفوا عمّا هو موكول لهم بخصوص النظر في مشاريع القوانين . بل يمكن القول إن السعي لفتح «تحقيق برلماني» أو بعث لجان من هذا القبيل هو تدخّل يعرقل أو يشوّش على المصالح المعنية بالتحقيق ، و كثيرا ما يهمّش الموضوع، لذلك لم نشهد أي نتائج عن عديد اللّجان الّتي تشكّلت .

الأكيد أن المجنّدين الّذين تمّ تسفيرهم بمختلف السبل ما كانوا أن يتوصّلوا إلى مغادرة التراب التونسي، لو لم تتجنّد الشبكات المنظمة لاستقطابهم و توجيههم و تمويلهم ليتحوّلوا إلى بؤر الإرهاب. و لا شك أن عديد الأبحاث تضمّنت ذكرا للأطراف الضالعة في هذه الأعمال ،و الجهات الأمنية والقضائية المتعهدة بالملفات ، هي الّتي لها أن تتحقّق من كل المعلومات وأن تتتبّع كل مشبوه فيه.

و إذا كان للبرلمانيين و للمهتمين بالشأن السياسي وبالسلطة دور في هذا الشأن ، فإنه يكمن في سدّ النواقص الّتي تتخلّل النصوص القانونية و في الحرص على تطبيق القانون على كل من يثبت تورّطه بالتحريض أو الفعل أو الدعاية للأعمال الإرهابية،أو بالترهيب و التهديد بإرتكاب جرائم ضد الدولة أو منظوريها مثلما صدر مؤخّرا عن حزب التحرير، وما يصدر بين الفينة و الأخرى من تجاوزات وتحدي للسلطة ومؤسساتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115