أمام ضيق أفق الحوار: احذروا التصلب وقطع حبال التواصل ...

تشهد تونس هذه الأيام بمناسبة النظر في مشروع ميزانية 2017 ،تحوّلا في متطلبات الحوار و آثاره، إذ لم يعد الحوار معطّلا لتنفيذ أشكال التعبير عن رفض السياسات والمواقف في إنتظار التوصل إلى حل جزئي أو نهائي ، بل أصبح منهجا مسترسلا غير معني بالنتائج و ردود الأفعال .

فالأطراف المعارضة لبعض أحكام مشروع الميزانية تتمسّك بالرفض والإحتجاج و تنفيذ الإضرابات أو التلويح بها دون أن تتراجع عن مطالبها ، و الحكومة تصّرح بأن حق الإضراب مضمون و مختلف تعابير الإحتجاج السلمية مكفولة في نطاق القانون ، و لكن تبقى القاطرة تسير دون توقّف وفق ما تمّ التخطيط له .

هذا التعامل الحازم مع مواقف الرفض و الإحتجاج يبدو من أول وهلة محاولة جادّة كي تستعيد الدولة شيئا من هيبتها لتقنع الرأي العام بكونها ستغيّر في تعاملها مع مواقف الرفض والتصدّي و فرض الأمر الواقع ، و لكن يبقى هذا الخيار محفوفا بالمخاطر وغير مضمون العواقب في ظرف تزداد فيه ظروف العيش ضيقا وصعوبة .

فهذا الحزم جاء متأخرا نسبيا ،و بعد مدّة طويلة من ترك الحبل على الغارب ، دون أن يقع إعتماد التدرج في فرض هذا التعامل الجديد مع الأحداث ، وخاصّة دون إعتماد مناهج الحوار و التباحث قبل صياغة المشروع النهائي .

والخطر أن تتسع رقعة الإحتجاجات و تفقد بعض المنظمات والهياكل المهنية السيطرة على قواعدها من جهة، و من جهة أخرى، الخطر أن يستغل الساعون والراغبون في بث الفوضى اتساع موجة الاحتجاجات لزعزعة السلم الاجتماعية ولتسهيل تمرير مواقفهم وسياستهم وتحقيق مخططاتهم.

لذلك سبق أن أكدنا في «المغرب» أن ما يعاب على الحكومة أنّها تحاور في آخر وقت لتمرّر ما تريد بدعوى ضغط الآجال والزمن، دون أن تأخذ بعين الإعتبار مواقف محاوريها ، ودون أن تتحسّب لردود فعلهم.
وقد ظهرت بوادر ردود فعل ،لا نحبّذ ظهورها في الوضع الرّاهن ، بإعتبار أنه لا أحد يتوقع عواقبها ، خاّصة ، أن قوى الإرهاب والردّة متربّصة بالبلاد ،و تحبّذ تعكّر النظام العام و تشتت جهود الدولة .

لا شك أن الإضرابات والإحتجاجات تقع في أعرق الدول الديمقراطية ، و أن بعض التظاهرات والمؤتمرات الدولية تُنظّم أحيانا في مناخ إجتماعي متوتر ، و لكن يجب ألاّ ننسى قدرات كل دولة و مدى تماسك نظامها و صلابة مؤسّساتها ، و حقيقة المخاطر الحقيقية الّتي تتربّص بها .

ففي تونس اليوم تشهر الحكومة سعيها للقضاء على بؤر الفساد و مكافحة التهرب الضريبي ، والعمل على فرض كلمة القانون ، ولكن تخرق بعض القوانين وتنتجاوز بعض المفاهيم، و ترفض تطبيق الإتفاقيات المبرمة بينها وبين الأطراف الإجتماعية .كما ترفض الحكومة كذلك التقيد بالوثيقة الّتي وضعت لتكون أرضية مشتركة لحكومة وحدة وطنية . كما ترفع شعار التوافق و الحوار الوطني وتعبّر عن إعتزازها بتجاوزها لأخطر المراحل بواسطة هذا الحوار ، ثم ّ ،تصرّح اليوم ، «إفعلوا ما شئتم و أفعل ما أشاء ، ثم نلتقي حول طاولة

الحوار ..».

و في الطرف المقابل يصرّح المعارضون لبعض مضامين مشروع ميزانية 2017 ، بأنهم مستعدون للتضحية و لتحمّل الأعباء وللجلوس إلى طاولة الحوار ، و لكن لا يقدّمون في الحقيقة أي تنازل، و لا يسهمون بصفة فعلية في مساعدة صندوق الدوّلة على تجاوز مصاعبه و تحدياته.

إن الحوار الحقيقي يستوجب الأخذ والعطاء ، و يفترض البحث عن الأدنى الّذي يحقّق التقدم و التجاوز الإيجابي ، و يعتمد التدرج والمرحلية ، دون السقوط في التصلّب الّذي يقطع حبل التواصل ويفضي إلى غير المتوقّع أو إلى المجهول.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115