لقاء اتحاد الشغل و رابطة حقوق الإنسان و عمادة المحامين: هل يتشكل مسار جديد ؟

في الفيزياء، لا تنهض الحركة من العدم بل تحتاج

إلى قوة تكسر حالة السكون لتدفع الجسم نحو اتجاه جديد. والأمر ذاته في السياسة التي تحتاج مكوناتها إلى دافع يخرجها من رتابة الركود الثقيل الذي ثبت المشهد السياسي والأشياء في أماكنها، رغم ما تراكم من «طاقة كامنة» فيها.

هكذا يمكن أن نرى تطبيقات قانون نيوتن في الحياة السياسية: ما لم تتولد قوة كافية لتغيير الحالة، يبقى السكون/الركود سيد المكان، أما إذا وُجدت، فإن الحركة لا تعود احتمالًا بل مسارًا جديدًا يبدأ صغيرًا، ثم يفرض واقعه ويعيد تشكيل علاقات القوة.

وفي الفيزياء كما في السياسة، ما أن تُكسر حالة الركود يصبح الاستمرار في الحركة أقل تكلفة من لحظة انطلاقها الأولى، تمامًا كما يحدث في التحولات السياسية عندما يبدأ الفعل الجماعي في أخذ زخمه، فتتحول الأفكار والدعوات من مجرد شعارات إلى طاقة حركية.

وهنا يبدو أن القوة التي كسرت حالة الركود كانت مسيرة «ضد الظلم»، التي كشفت عن ملامح مشترك سياسي يجمع طيفًا واسعًا من التونسيين على أرضية قيمية لا تُلغي الاختلاف والخلاف، بل تنظمه وتعيد ترتيب الأولويات. هذه القوة الدافعة بدا أثرها أشبه بأثر الفراشة؛ رفرفة صغيرة قادرة على المساهمة في تكوين إعصار، إذا ما توفرت لها الظروف الملائمة.

وهذه الرفرفة وجدت من يلتقطها؛ إذ بدت المنظمات الوطنية الكبرى، وخاصة الاتحاد، واعية لمتغيرات اللحظة وما تفرضه من ضرورة الحركة. وقد تجسد ذلك في اللقاء الثلاثي بالمقر المركزي للاتحاد، الذي جمع الأمين العام نور الدين الطبوبي بكل من بسّام الطريفي رئيس الرابطة وبوبكر بن ثابت عميد المحامين.

لقاء وإن اقتصرت البلاغات الصادرة إثره من قبل المنظمات الثلاث على القول إنه لتبادل وجهات النظر ومناقشة تطورات الأوضاع في البلاد، إلا أنه يعلن بوضوح عن محاولة إعادة بناء تحالف رمزي بين ثلاث قوى تعدّ ركائز المشهد العام في تونس. فاللقاء، وإن رفض أصحابه تصنيفه وتأطيره في سياق بعينه، إلا أنه يستحضر تجربة الحوار الوطني، حيث لعب الرباعي آنذاك دور صمام أمان، وأعاد خلق توازن سياسي عندما تعطلت المؤسسات وأُغلقت قنوات الحوار الرسمية تحت منطق المغالبة.

هذا الاستحضار لرمزية الحوار الوطني لا يعني بالضرورة أن المنظمات الثلاث تتجه إلى استنساخ التجربة السابقة أو المبادرة بحوار جديد؛ فالسياق تبدّل ومعه تتبدل التصورات والمقاربات. لكنه، بما يحمله من رمزية، يجعل اللقاء أبعد من مجرد اجتماع بروتوكولي، بل منصة لإرسال رسالة سياسية عنوانها الأبرز: منظمات المجتمع المدني قادرة على استعادة المبادرة، وهي قوة ثابتة في المشهد يمكنها المساهمة في إعادة ترتيب التوازنات وتركيبها.

الجلي من خطوات الثلاثي هو حرص كل طرف على مراكمة الزخم الذي تشهده البلاد في الأسابيع الأخيرة، وتجاوز مرحلة رد الفعل إلى الفعل، وإعادة التموضع ضمن المشهد السياسي العام أمام سلطة تميل إلى إدارة الملفات مباشرة، دون المرور بالوسائط التمثيلية. سلطة تُوجَّه لها اليوم رسالة من الثلاثي مفادها أن تجاوز هذه الأجسام الوسيطة ليس أمرًا مسلّمًا به.

غير أن اختيار الأطراف الثلاثة الاجتماع لا يهدف فقط إلى توجيه رسالة للسلطة بأنها هنا، وقادرة على إنتاج توازنات جديدة في المشهد، بل أيضًا للبحث عن مشترك فيما بينها، وعن الخطوة القادمة، سواء لتعزيز هذا المشترك أو تطويره ليصبح مبادرة تُعرض على الفاعلين في بلد يعيش على وقع كسر حالة الركود.

وهذا ما يجعل من الاجتماع الثلاثي مرشحًا لأن يكون خطوة تأسيسية قد تتبعها تحركات أكثر وضوحًا، تنتهي بإنتاج قوة دفع جديدة، يكون لظهورها انعكاس مباشر على «الحركة» داخل المشهد السياسي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115